وروي أن الآية نزلت بسبب لأن ثابت بن قيس بن شماس حصد غلة له فقال والله لا جاءني اليوم أحد إلا أطعمته فأمسى وليس عنده ثمرة ، فنزلت هذه الآية ، وقال أبو العالية كانوا يعطون شيئا عند الحصاد ثم تباروا وأسرفوا فنزلت الآية ، ومن قال إنها منسوخة ترتب له النهي في وقت حكم الآية.
قوله عزوجل :
(وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢) ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٤٣)
(حَمُولَةً) عطف على (جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ) [الأنعام : ١٤١] التقدير وأنشأنا من الأنعام حمولة ، والحمولة ما تحمل الأثقال من الإبل والبقر عند من عادته أن يحمل عليها والهاء في (حَمُولَةً) للمبالغة ، وقال الطبري هو اسم جمع لا واحد من لفظه ، و «الفرش» ما لا يحمل ثقلا كالغنم وصغار البقر والإبل ، هذا هو المروي عن ابن مسعود وابن عباس والحسن وغيرهم ، يقال له الفرش والفريش ، وذهب بعض الناس إلى أن تسميته (فَرْشاً) إنما هي لوطاءته وأنه مما يمتهن ويتوطأ ويتمكن من التصرف فيه إذ قرب جسمه من الأرض.
وروي عن ابن عباس أنه قال : «الحمولة» الإبل والخيل والبغال والحمير ، ذكره الطبري.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وهذا منه تفسير لنفس اللفظة لا من حيث هي في هذه الآية ، ولا تدخل في الآية لغير الأنعام وإنما خصت بالذكر من جهة ما شرعت فيها العرب ، وقوله (مِمَّا رَزَقَكُمُ) نص إباحة وإزالة ما سنه الكفار من البحيرة والسائبة وغير ذلك ، ثم تابع النهي عن تلك السنن الآفكة بقوله (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) وهي جمع خطوة أي لا تمشوا في طرقه المضلّة ، وقد تقدم في سورة البقرة اختلاف القراء في «خطوات» ، ومن شاذها قراءة علي رضي الله عنه والأعرج وعمرو بن عبيد «خطؤات» بضم الخاء والطاء وبالهمزة ، قال أبو الفتح وذلك جمع خطأة من الخطأ ومن الشاذ قراءة أبي السمال «خطوات» بالواو دون همزة وهو جمع خطوة وهي ذرع ما بين قدمي الماشي ، ثم علل النهي عن ذلك بتقرير عداوة الشيطان لابن آدم ، وقوله تعالى (ثَمانِيَةَ) اختلف في نصبها فقال الأخفش علي بن سليمان بفعل مضمر تقديره كلوا لحم ثمانية أزواج فحذف الفعل والمضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، وقيل نصب على البدل من ما في قوله (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) ، وقيل نصبت على الحال ، وقيل نصبت على البدل من قوله (حَمُولَةً وَفَرْشاً) ، وهذا أصوب الأقوال وأجراها مع معنى الآية ، وقال الكسائي نصبها (أَنْشَأَ) [الأنعام : ١٤١] والزوج الذكر والزوج الأنثى كل واحد منهما زوج صاحبه ، وهي أربعة أنواع فتجيء ثمانية أزواج ، و (الضَّأْنِ) جمع ضائنة وضائن ، وقرأ طلحة بن مصرف وعيسى بن عمر والحسن من «الضأن» بفتح الهمزة ، وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي «ومن المعز» بسكون العين وهو جمع ماعز وماعزة ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «ومن المعز» بفتح العين فضأن ومعز كراكب وركب وتاجر وتجر وضان ومعز كخادم