الجن هم رسل الإنس ، فهم رسل الله بواسطة إذ هم رسل رسله ، وهم النذر ، و (يَقُصُّونَ) من القصص ، وقرأ عبد الرحمن الأعرج «ألم تكن تأتيكم» بالتاء على تأنيث لفظ «الرسل» ، وقولهم : (شَهِدْنا) إقرار منهم بالكفر واعتراف أي شهدنا على أنفسنا بالتقصير ، وقوله (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) التفاتة فصيحة تضمنت أن كفرهم كان بأذم الوجوه لهم وهو الاغترار الذي لا يواقعه عاقل ، ويحتمل (غَرَّتْهُمُ) أن يكون بمعنى أشبعتهم وأطعمتهم بحلوائها كما يقال غر الطائر فرخه وقوله (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) تظهر بينه وبين ما في القرآن من الآيات التي تقتضي إنكار المشركين الإشراك مناقضة ، والجمع بينهما هو إما بأنها طوائف ، وإما طائفة واحدة في مواطن شتى ، وإما أن يريد بقوله هاهنا : (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) ، شهادة الأيدي والأرجل والجلود بعد إنكارهم بالألسنة.
قال القاضي أبو محمد : واللفظ هاهنا يبعد من هذا ، وقوله تعالى : (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ) الآية ، (ذلِكَ) يصح أن يكون في موضع رفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره ذلك الأمر ، ويصح أن يكون في موضع نصب بتقدير فعلنا و (أَنْ) مفعول من أجله و (الْقُرى) المدن ، والمراد أهل القرى ، و (بِظُلْمٍ) يتوجه فيه معنيان ، أحدهما أن الله عزوجل لم يكن ليهلك المدن دون نذارة ، فيكون ظلما لهم إذا لم ينذرهم ، والله ليس بظلام للعبيد ، والآخر أن الله عزوجل لم يهلك أهل القرى بظلم إذ ظلموا دون أن ينذرهم ، وهذا هو البين القويّ. وذكر الطبري رحمهالله التأويلين ، وقوله تعالى : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ) الآية إخبار من الله عزوجل أن المؤمنين في الآخرة على درجات من التفاضل بحسب أعمالهم وتفضل الله عليهم ، والمشركين أيضا على درجات من العذاب.
قال القاضي أبو محمد : ولكن كل مؤمن قد رضي بما أعطي غاية الرضى ، وقرأت الجماعة سوى ابن عامر «يعملون» على لفظ كل ، وقرأ ابن عامر وحده «تعملون» على المخاطبة بالتاء.
قوله عزوجل :
(وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣) إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (١٣٥)
(الْغَنِيُ) صفة ذات لله عزوجل لأنه تبارك وتعالى لا يفتقر إلى شيء من جهة من الجهات ، ثم تليت هذه الصفة بقوله (ذُو الرَّحْمَةِ) فأردف الاستغناء بالتفضل وهذا أجمل تناسق ، ثم عقب بهذه الألفاظ المضمنة الوعيد المحذرة من بطش الله عزوجل في التعجيل بذلك وأما مع المهلة ومرور الجديدين ، فكذلك عادة الله في الخلق ، وأما «الاستخلاف» فكما أوجد الله تعالى هذا العالم الآدمي بالنشأة من ذرية قوم متقدمين أصلهم آدم عليهالسلام ، وقرأت الجماعة «ذرّية» بضم الذال وشد الراء المكسورة ، وقرأ