شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٩٤)
هذه حكاية عما يقال لهم بعد قبض أرواحهم ، فإما عند خروجها من الأجساد وإما يوم القيامة كل ذلك محتمل ، و (فُرادى) معناه فردا فردا ، والألف في آخره ألف تأنيث ومنه قول الشاعر [ابن مقبل] :
ترى النعرات الزرق تحت لبانه |
|
فرادى ومثنى أصعقتها صواهله |
وقرأ أبو حيوة «فرادى» منونا على وزن فعال وهي لغة تميم ، و (فُرادى) قيل هو جمع فرد بفتح الراء ، وقيل جمع فرد بإسكان الراء والمقصد في الآية توقيف الكفار على انفرادهم وقلة النصير واحتياجهم إلى الله عزوجل بفقد الخول والشفعاء ، فيكون قوله : (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) تشبيها بالانفراد الأول في وقت الخلقة ، ويتوجه معنى آخر وهو أن يتضمن قوله : (كَما خَلَقْناكُمْ) زيادة معان على الانفراد كأنه قال ولقد جئتمونا فرادى وبأحوال كذا ، والإشارة على هذا بقوله كما هي إلى ما قاله النبي عليهالسلام في صفة من يحشر أنهم يحشرون حفاة عراة غرلا ، و (خَوَّلْناكُمْ) معناه أعطيناكم ، وكان أبو عمرو بن العلاء ينشد بيت زهير : [الطويل] :
هنالك إن يستخولوا المال يخولوا |
|
وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا |
(وَراءَ ظُهُورِكُمْ) إشارة إلى الدنيا لأنهم يتركون ذلك موجودا.
وقوله تعالى : (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ) الآية ، توقيف على الخطأ في عبادة الأصنام وتعظيمها ، قال الطبري : وروي أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث لأنه قال سوف تشفع له اللات والعزى.
قال القاضي أبو محمد : ومن كان من العرب يعتقد أنها تشفع وتقرب إلى الله زلفى ويرى شركتها بهذا الوجه فمخاطبته بالآية متمكن وهكذا كان الأكثر ، ومن كان منهم لا يقر بإله غيرها فليس هو في هذه الآية ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر ، وحمزة «بينكم» بالرفع ، وقرأ نافع والكساء «بينكم» بالنصب أما الرفع فعلى وجوه ، أولاها أنه الظرف استعمل اسما وأسند إليه الفعل كما قد استعملوه ، اسما في قوله تعالى : (مِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [فصّلت : ٥] وكقولهم فيما حكى سيبويه أحمر بن بين العينين ، ورجح هذا القول أبو علي الفارسي ، والوجه الآخر أن بعض المفسرين منهم الزهراوي والمهدوي وأبو الفتح وسواهم حكوا أن «البين» في اللغة يقال على الافتراق وعلى الوصل فكأنه قال لقد تقطع وصلكم.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا عندي اعتراض لأن ذلك لم يرو مسموعا عن العرب وإنما انتزع من الآية ، والآية محتملة ، قال الخليل في العين «والبين» الوصل.
لقوله عزوجل : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) فعلل سوق اللفظة بالآية ، والآية معرضة لغير ذلك ، أما إن أبا الفتح قوى أن «البين» الوصل وقال : «وقد أتقن ذلك بعض المحدثين بقوله : قد أنصف البين من البين». والوجه الثالث من وجوه الرفع أن يكون «البين» على أصله في الفرقة من بان يبين إذا بعد ، ويكون في قوله : (تَقَطَّعَ) تجوز على نحو ما يقال في الأمر البعيد في المسافة تقطعت الفجاج بين كذا وكذا عبارة عن بعد