النضر بن شميل في كتاب المثالب ، فنهى الله المؤمنين عما كان عليه آباؤهم من هذه السير ، وقال ابن عباس : كان أهل الجاهلية يحرمون ما يحرم ، إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين ، فنزلت هذه الآية في ذلك ، واختلف المتأولون في مقتضى ألفاظ الآية ، فقالت فرقة : قوله : (ما نَكَحَ) يراد به النساء. أي لا تنكحوا النساء اللواتي نكح آباؤكم ، وقوله : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) معناه : لكن ما قد سلف فدعوه ، وقال بعضهم المعنى لكن ما قد سلف فهو معفو عنكم لمن كان واقعه ، فكأنه قال تعالى ولا تفعلوا حاشا ما قد سلف ، ف (ما) على هذا القول واقعة على من يعقل من حيث هؤلاء النساء صنف من أصناف من يعقل ، وما تقع للأصناف والأوصاف ممن يعقل ، وقالت فرقة : قوله : (ما نَكَحَ) يراد به فعل الآباء ، أي لا تنكحوا كما نكح آباؤكم من عقودهم الفاسدة ، وقوله : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) معناه إلا ما تقدم منكم ووقع من تلك العقود الفاسدة فمباحة لكم الإقامة عليه في الإسلام ، إذا كان مما يقرر الإسلام عليه من جهة القرابة ، ويجوزه الشرع أن لو ابتدئ نكاحه في الإسلام على سنته ، وقيل : معنى (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) أي فهو معفو عنكم.
قال القاضي أبو محمد : و (ما) على هذا مصدرية ، وفي قراءة أبيّ بن كعب «إلا ما قد سلف إلا من تاب».
قال القاضي أبو محمد : وكذلك حكاه أبو عمرو الداني ، وقال ابن زيد : معنى الآية : النهي عن أن يطأ الرجل امرأة وطئها الآباء ، «إلا ما قد سلف» من الآباء في الجاهلية من الزنا ، لا على وجه المناكحة ، فذلك جائز لكم زواجهم في الإسلام ، لأن ذلك الزنا كان فاحشة ومقتا ، قال ابن زيد : فزاد في هذه الآية المقت ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في تأويل هذه الآية : كل امرأة تزوجها أبوك أو ابنك دخل أو لم يدخل ، فهي عليك حرام و (كانَ) في هذه الآية تقتضي الماضي والمستقبل ، وقال المبرد : هي زائدة ، وذلك خطأ يرد عليه وجود الخبر منصوبا ، والمقت : البغض والاحتقار بسبب رذيلة يفعلها الممقوت ، فسمى تعالى هذا النكاح (مَقْتاً) إذ هو ذا مقت يلحق فاعله ، وقال أبو عبيدة وغيره : كانت العرب تسمي الولد الذي يجيء من زوج الوالد المقتي ، وقوله : (وَساءَ سَبِيلاً) أي بئس الطريق والمنهج لمن يسلكه ، إذ عاقبته إلى عذاب الله.
وقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ) الآية ، حكم حرم الله به سبعا من النسب ، وستا من بين رضاع وصهر ، وألحقت السنة المأثورة سابعة ، وذلك الجمع بين المرأة وعمتها ، ومضى عليه الإجماع ، وروي عن ابن عباس أنه قال : حرم من النسب سبع ، ومن الصهر سبع ، وتلا هذه الآية ، وقال عمرو بن سالم مولى الأنصار : مثل ذلك ، وجعل السابعة قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) [النساء : ٢٤] ، وتحريم الأمهات عام في كل حال لا يتخصص بوجه من الوجوه ، ويسميه أهل العلم ـ المبهم ـ أي لا باب فيه ، ولا طريق إليه لانسداد التحريم وقوته ، وكذلك تحريم البنات والأخوات ، فالأم كل من ولدت المرء وإن علت والبنت كل من ولدها وإن سفلت ، والأخت كل من جمعه وإياها صلب أو بطن ، والعمة أخت الأب ، والخالة أخت الأم ، كذلك فيهما العموم والإبهام ، وكذلك عمة الأب وخالته ، وعمة الأم وخالتها ، وكذلك عمة العمة ، وأما خالة العمة فينظر ، فإن كانت العمة أخت أب لأم ، أو لأب وأم فلا تحل خالة العمة ، لأنها أخت الجدة ، وإن كانت العمة إنما هي أخت أب لأب فقط فخالتها أجنبية من بني أخيها ، تحل للرجال ، ويجمع بينها وبين النساء ،