أن يفعل ذلك ، وقيل (بِالْحَقِ) معناه بكلامه في قوله للمخلوقات (كُنْ) وفي قوله : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) [فصّلت : ١١].
قال القاضي أبو محمد : وتحرير القول أن المخلوقات إنما إيجادها بالقدرة لا بالكلام ، واقتران «كن» بحالة إيجاد المخلوق فائدته إظهار العزة والعظمة ونفوذ الأوامر وإعلان القصد ، ومثال ذلك في الشاهد أن يضرب إنسان شيئا فيكسره ويقول في حال الكسر بلسانه : انكسر فإن ذلك إنفاذ عزم وإظهار قصد ، ولله المثل الأعلى ، لا تشبيه ولا حرف ولا صوت ولا تغير ، أمره واحدة كلمح البصر فكأن معنى الآية على هذا القول وهو الذي خلق السماوات والأرض بقوله (كُنْ) المقترنة بالقدرة التي بها يقع إيجاد المخلوق بعد عدمه ، فعبر عن ذلك (بِالْحَقِ) ، (وَيَوْمَ يَقُولُ) نصب على الظرف وهو معلق بمعمول فعل مضمر ، تقديره : واذكر الخلق والإعادة يوم ، وتحتمل الآية مع هذا أن يكون معناها : واذكر الإعادة يوم يقول الله للأجساد كن معادة ، ثم يحتمل أن يتم الكلام هنا ثم يبدأ بإخبار أن يكون قوله الحق الذي كان في الدنيا إخبارا بالإعادة ، ويحتمل أن يكون تمام الكلام في قوله (فَيَكُونُ) ويكون (قَوْلُهُ الْحَقُ) ابتداء وخبر أو على الاحتمال الذي قبل ف (قَوْلُهُ) فاعل ، قال الزجّاج قوله (وَيَوْمَ) معطوف على الضمير من قوله (وَاتَّقُوهُ) فالتقدير هنا على هذا القول واتقوا العقاب أو الأهوال والشدائد يوم ، وقيل : إن الكلام معطوف على قوله (خَلَقَ السَّماواتِ) والتقدير على هذا : وهو الذي خلق السماوات والأرض والمعادات إلى الحشر يوم ، ولا يجوز أن تعمل هذه الأفعال لا تقديرك اذكر ولا اتقوا ولا خلق في يوم لأن أسماء الزمان إذا بنيت مع الأفعال فلا يجوز أن تنصب إلا على الظرف ، ولا يجوز أن يتعلق (يَوْمَ) بقوله : (قَوْلُهُ الْحَقُ) لأن المصدر لا يعمل فيما تقدمه ، وقد أطلق قوم أن العامل اذكر أو خلق ، ويحتمل أن يريد ب «يقول» معنى المضي كأنه قال : وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق يوم يقول بمعنى قال لها «كن» ، ف (يَوْمَ) ظرف معطوف على موضع (قَوْلُهُ الْحَقُ) إذ هو في موضع نصب ، ويجيء تمام الكلام في قوله (فَيَكُونُ) ، ويجيء (قَوْلُهُ الْحَقُ) ابتداء وخبرا ويحتمل أن يتم الكلام في (كُنْ) ، ويبتدأ (فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُ) وتكون «يكون» تامة بمعنى يظهر ، و (الْحَقُ) صفة للقول ، و (قَوْلُهُ) فاعل ، وقرأ الحسن : «قوله» بضم القاف ، (وَلَهُ الْمُلْكُ) ابتداء وخبر (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) «يوم» بدل من الأولى على أن «يقول» مستقبل لا على تقدير مضيه ، وقيل : بل متعلق بما تضمن الملك من معنى الفعل أو بتقدير ثابت أو مستقر يوم ، و (فِي الصُّورِ) قال أبو عبيدة هو جمع صورة فالمعنى يوم تعاد العوالم ، وقال الجمهور هو الصور القرن الذي قال النبي صلىاللهعليهوسلم إنه ينفخ فيه للصعق ثم للبعث ، ورجحه الطبري بقول النبي عليهالسلام : إن إسرافيل قد التقم الصور وحنى جبهته ينظر متى يؤمر فينفخ ، وقرأ الحسن «في الصور» بفتح الواو وهذه تؤيد التأويل الأول وحكاها عمرو بن عبيد عن عياض (عالِمُ) رفع بإضمار مبتدأ وقيل نعت ل (الَّذِي) وقرأ الحسن والأعمش «عالم» بالخفض على النعت للضمير الذي في (لَهُ) ، أو على البدل منه من قوله (لَهُ الْمُلْكُ) ، وقد رويت عن عاصم ، وقيل ارتفع «عالم» بفعل مضمر من لفظ الفعل المبني للمفعول تقديره ينفخ فيه عالم على ما أنشد سيبويه : [الطويل]
ليبك يزيد ضارع لخصومة |
|
وآخر ممّن طوّحته الطّوائح |
التقدير يبكيه ضارع ، وحكى الطبري هذا التأويل الذي يشبه ليبك يزيد عن ابن عباس ونظيرها من