عياض : قال قوم للنبي صلىاللهعليهوسلم إنّا قد أصبنا ذنوبا فاستغفر لنا فأعرض عنهم فنزلت الآية ، وقوله (بِآياتِنا) يعم آيات القرآن وأيضا علامات النبوة كلها ، و (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ابتداء والتقدير : سلام ثابت أو أوجب عليكم ، والمعنى : أمنة لكم من عذاب الله في الدنيا والآخرة ، وقيل المعنى أن الله يسلم عليكم.
قال القاضي أبو محمد : وهذا معنى لا يقتضيه لفظ الآية حكاه المهدوي ، ولفظه لفظ الخبر وهو في معنى الدعاء ، وهذا من المواضع التي جاز فيها الابتداء بالنكرة إذ قد تخصصت ، و (كَتَبَ) بمعنى أوجب ، والله تعالى لا يجب عليه شيء عقلا إلا إذا أعلمنا أنه قد حتم بشيء ما فذلك الشيء واجب ، وفي : أين هذا الكتاب اختلاف؟ قيل في اللوح المحفوظ ، وقيل في كتاب غيره لقوله عليهالسلام في صحيح البخاري : إن الله تعالى كتب كتابا فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي سبقت غضبي ، وقرأ عاصم وابن عامر : «أنه» بفتح الهمزة في الأولى والثانية ، ف «أنه» الأولى بدل من الرحمة و «أنه» الثانية خبر ابتداء مضمر تقديره : فأمره أنه غفور رحيم ، هذا مذهب سيبويه وقال أبو حاتم «فإنه» ابتداء ولا يجوز هذا عند سيبويه ، وقال النحاس : هي عطف على الأولى وتكرير لها لطول الكلام ، قال أبو علي. ذلك لا يجوز لأن (مَنْ) لا يخلو أن تكون موصولة بمعنى الذي فتحتاج إلى خبر أو تكون شرطية فتحتاج إلى جواب ، وإذا جعلنا «فأنه» تكريرا للأولى عطفا عليها بقي المبتدأ بلا خبر أو الشرط بلا جواب ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي «إنه» بكسر الهمزة في الأولى والثانية ، وهذا على جهة التفسير للرحمة في الأولى والقطع فيها ، وفي الثانية إما في موضع الخبر أو موضع جواب الشرط وحكم ما بعد الفاء إنما هو الابتداء ، وقرأ نافع بفتح الأولى وكسر الثانية ، وهذا على أن أبدل من الرحمة واستأنف بعد الفاء ، وقرأت فرقة بكسر الأولى وفتح الثانية حكاه الزهراوي عن الأعرج وأظنه وهما ، لأن سيبويه حكاه عن الأعرج مثل قراءة نافع ، وقال أبو عمرو الداني : قراءة الأعرج ضد قراءة نافع ، و «الجهالة» في هذا الموضع تعم التي تضاد العلم والتي تشبه بها ، وذلك أن المتعمد لفعل الشيء الذي قد نهي عنه تشمل معصيته تلك جهالة ، إذ قد فعل ما يفعله الذي لم يتقدم له علم ، قال مجاهد : من الجهالة أن لا يعلم حلالا من حرام ومن جهالته أن يركب الأمر ، ومن هذا الذي لا يضاد العلم قول النبي عليهالسلام في استعاذته «أو أجهل أو يجهل عليّ» ، ومنه قول الشاعر [عمرو بن كلثوم] : [الوافر]
ألا لا يجهلن أحد علينا |
|
فنجهل فوق جهل الجاهلينا |
والجهالة المشبهة ليست بعذر في الشرع جملة والجهالة الحقيقية يعذر بها في بعض ما يخف من الذنوب ولا يعذر بها في كبيرة ، و «التوبة» الرجوع ، وصحتها مشروطة باستدامة الإصلاح بعدها في الشيء الذي تيب منه ، والإشارة بقوله (وَكَذلِكَ) إلى ما تقدم من النهي عن طرد المؤمنين وبيان فساد منزع العارضين لذلك ، وتفصيل الآيات تبيينها وشرحها وإظهارها ، واللام في قوله (وَلِتَسْتَبِينَ) متعلقة بفعل مضمر تقديره ولتستبين سبيل المجرمين فصلناها ، وقرأ نافع : «ولتستبين» بالتاء أي النبي صلىاللهعليهوسلم ، «سبيل» بالنصب حكاه مكي في المشكل له ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم : «ولتستبين سبيل المجرمين» برفع السبيل وتأنيثها ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي