حمزة والكسائي جميع ذلك بضم الكاف ، وقرأ عاصم وابن عامر في النساء والتوبة بفتح الكاف ، وفي الأحقاف في الموضعين بضمها ، والكره والكره لغتان كالضعف والضعف ، والفقر والفقر ، قاله أبو علي ، وقال الفراء : هو بضم الكاف المشقة وبفتحها إكراه غير ، وقاله ابن قتيبة ، واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى : (وَلا تَعْضُلُوهُنَ) الآية ، فقال ابن عباس وغيره : هي أيضا في أولئك الأولياء الذين كانوا يرثون المرأة لأنهم كانوا يتزوجونها إذا كانت جميلة ، ويمسكونها حتى تموت إذا كانت دميمة ، وقال نحوه الحسن وعكرمة.
قال القاضي أبو محمد : ويجيء في قوله : (آتَيْتُمُوهُنَ) خلط أي ما آتاها الرجال قبل ، فهي كقوله : (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٥٤] وغير ذلك وقال ابن عباس أيضا : هي في الأزواج ، في الرجل يمسك المرأة ويسيء عشرتها حتى تفتدي منه ، فذلك لا يحل له ، وقال مثله قتادة ، وقال ابن البيلماني : الفصل الأول من الآية هو في أمر الجاهلية ، والثاني في العضل ، هو في أهل الإسلام في حبس الزوجة ضرارا للفدية ، وقال ابن مسعود : معنى الآية : لا ترثوا النساء كفعل الجاهلية ، (وَلا تَعْضُلُوهُنَ) في الإسلام ، وقال نحو هذا القول السدي والضحاك ، وقال السدي : هذه الآية خطاب للأولياء ، كالعضل المنهي عنه في سورة البقرة.
قال القاضي أبو محمد : وهذا يقلق ، إلا أن يكون العضل من ولي وارث ، فهو يؤمل موتها ، وإن كان غير وارث فبأي شيء يذهب؟ ، وقال ابن زيد : هذا العضل المنهي عنه في هذه الآية هو من سير الجاهلية في قريش بمكة ، إذا لم يتوافق الزوجان طلقها على ألا تتزوج إلا بإذنه ، ويشهد عليها بذلك ، فإذا خطبت فإن أعطته ورشته وإلا عضل ، ففي هذا نزلت الآية.
قال القاضي أبو محمد : والذي أقول : إن العضل في اللغة الحبس في شدة ومضرة ، والمنع من الفرج في ذلك فمن ذلك قولهم : أعضلت الدجاجة وعضلت إذا صعب عليها وضع البيضة ، ومنه أعضل الداء إذا لحج ولم يبرأ ، ومنه داء عضال. ومشى عرف الفقهاء على أن العضل من الأولياء في حبس النساء عن التزويج ، وهو في اللغة أعم من هذا حسبما ذكرت ، يقع من ولي ومن زوج ، وأقوى ما في هذه الأقوال المتقدمة ، أن المراد الأزواج ، ودليل ذلك قوله : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ) وإذا أتت بفاحشة فليس للولي حبسها حتى يذهب بمالها إجماعا من الأمة ، وإنما ذلك للزوج على ما سنبين بعد إن شاء الله ، وكذلك قوله : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) إلى آخر الآية يظهر منه تقوية ما ذكرته ، وإن حان ذلك يحتمل أن يكون أمرا منقطعا من الأول يخص به الأزواج. وأما العضل فمنهي عنه كل من يتصور في نازلة عاضلا ، ومتى صح في ولي أنه عاضل نظر القاضي في أمر المرأة وزوجها ولم يلتفت ، إلا الأب في بناته ، فإنه إن كان في أمره إشكال فلا يعترض قولا واحدا ، وإن صح عضله ففيه قولان في مذهب مالك : أحدهما أنه كسائر الأولياء : يزوج القاضي من شاء التزويج من بناته وطلبه ، والقول الآخر إنه لا يعرض له ، ويحتمل قوله : (وَلا تَعْضُلُوهُنَ) أن يكون جزما ، فتكون الواو عاطفة جملة كلام مقطوعة من الأولى ، ويحتمل أن يكون (تَعْضُلُوهُنَ) نصبا عطفا على (تَرِثُوا) فتكون الواو مشركة عاطفة فعل على فعل ، وقرأ ابن مسعود : «ولا أن تعضلوهن». فهذه القراءة تقوي احتمال النصب ، وأن العضل مما لا يحل بالنص ، وعلى تأويل الجزم