عليه ، وقال ابن عمر ما حل بك من السباع فحلّ به ، وأما فراخ السبع الصغار قبل أن تفرس فقال مالك في المدونة لا ينبغي للمحرم قتلها ، قال أشهب في كتاب محمد : فإن فعل فعليه الجزاء ، وقال أيضا أشهب وابن القاسم لا جزاء عليه ، وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر المحرمين بقتل الحيات ، وأجمع الناس على إباحة قتلها ، وثبت عن عمر رضي الله عنه إباحة قتل الزنبور لأنه في حكم العقرب ، وقال مالك : يطعم قاتله شيئا ، وكذلك قال مالك فيمن قتل البرغوث والذباب والنمل ونحوه ، وقال أصحاب الرأي لا شيء على قاتل هذه كلها ، وأما سباع الطير فقال مالك لا يقتلها المحرم وإن فعل فدى ، وقال ابن القاسم في كتاب محمد : وأحب إليّ أن لا يقتل الغراب والحدأة حتى يؤذياه ، ولكن إن فعل فلا شيء عليه.
قال القاضي أبو محمد : وذوات السموم كلها في حكم الحية كالأفعى والرتيلاء وما عدا ما ذكرناه فهو مما نهى الله عن قتله في الحرمة بالبلد أو الحال ، وفرض الجزاء على من قتله و (حُرُمٌ) جمع حرام وهو الذي يدخل في الحرام أو في الإحرام ، وحرام ، يقال للذكر والأنثى والاثنين والجميع ، واختلف العلماء في معنى قوله (مُتَعَمِّداً) فقال مجاهد وابن جريج والحسن وابن زيد : معناه متعمدا لقتله ناسيا لإحرامه ، فهذا هو الذي يكفر وكذلك الخطأ المحض يكفر وأما إن قتله متعمدا ذاكرا لإحرامه فهذا أجلّ وأعظم من أن يكفر. قال مجاهد : قد حل ولا رخصة له ، وقاله ابن جريج ، وحكى المهدوي وغيره أنه بطل حجه ، وقال ابن زيد : هذا يوكل إلى نقمة الله ، وقال جماعة من أهل العلم منهم ابن عباس ومالك وعطاء وسعيد ابن جبير والزهري وطاوس وغيرهم ، المتعمد هو القاصد للقتل الذاكر لإحرامه ، وهو يكفر وكذلك الناسي والقاتل خطأ يكفران.
قال الزهري : نزل القرآن بالعمد وجرت السنة في قتله خطأ أنهما يكفران ، وقال بعض الناس لا يلزم القاتل خطأ كفارة ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «فجزاء مثل ما» بإضافة الجزاء إلى مثل وخفض مثل ، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم «فجزاء» بالرفع «مثل» بالرفع أيضا فأما القراءة الأولى ومعناها فعليه جزاء مثل ما قتل أي قضاؤه وغرمه ، ودخلت لفظة «مثل» هنا كما تقول أنا أكرم مثلك وأنت تقصد بقولك أنا أكرمك ، ونظير هذا قوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ) [الأنعام : ١٢٢] التقدير كمن هو في الظلمات.
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل قوله تعالى : (فَجَزاءٌ مِثْلُ) أن يكون المعنى فعليه أن يجزي مثل ما ، ثم وقعت الإضافة إلى المثل الذي يجزي به اتساعا ، وأما القراءة الثانية فمعناها فالواجب عليه أو فاللازم له جزاء مثل ما و «مثل» على هذه القراءة صفة لجزاء ، أي فجزاء مماثل ، وقوله تعالى : (مِنَ النَّعَمِ) صفة لجزاء على القراءتين كلتيهما ، وقرأ عبد الله بن مسعود «فجزاؤه مثل ما» بإظهار هاء يحتمل أن تعود على الصيد أو على الصائد القاتل ، وقرأ أبو عبد الرحمن «فجزاء» بالرفع والتنوين «مثل ما» بالنصب ، وقال أبو الفتح «مثل» منصوبة بنفس الجزاء أي فعليه أن يجزي مثل ما قتل ، واختلف العلماء في هذه المماثلة كيف تكون؟! فذهب الجمهور إلى أن الحكمين ينظران إلى مثل الحيوان المقتول في الخلقة وعظم المرأى فيجعلون ذلك من النعم جزاءه ، قال الضحاك بن مزاحم والسدي وجماعة من الفقهاء : في النعامة