حالهم فكان يلقى منهم عنتا وربما خافهم أحيانا قبل نزول هذه الآية ، فقال الله له (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) أي كاملا متمما ، ثم توعده تعالى بقوله : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) ، أي إنك إن تركت شيئا فكأنما قد تركت الكل ، وصار ما بلغت غير معتدّ به ، فقوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) معناه وإن لم تستوف ، ونحو هذا قول الشاعر :
سئلت فلم تمنع ولم تعط نائلا |
|
فسيان لا ذم عليك ولا حمد |
أي ولم تعط ما يعد نائلا وإلا فيتكاذب البيت ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي «فما بلغت رسالته» على الإفراد. وقرؤوا في الأنعام (حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] على الجمع ، وكذلك في الأعراف (بِرِسالاتِي) [الأعراف : ١٤٤] ، وقرأ ابن كثير في المواضع الثلاثة بإفراد الرسالة ، وقرأ نافع «رسالاته» بالجمع ، وكذلك في الأنعام ، وأفرد في الأعراف ، وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر بجمع الرسالة في المواضع الثلاثة ، وروى حفص عن عاصم الإفراد في العقود والأنعام ، والجمع في الأعراف ، فمن أفرد الرسالة فلأن الشرع كله شيء واحد وجملة بعضها من بعض ، ومن جمع فمن حيث الشرع معان كثيرة وورد دفعا في أزمان مختلفة ، وقالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : من زعم أن محمدا كتم شيئا من الوحي فقد أعظم الفرية ، والله تعالى يقول : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) الآية ، وقال عبد الله بن شقيق : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتعقبه أصحابه يحرسونه ، فلما نزلت (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) خرج فقال : يا أيها الناس الحقوا بملاحقكم فإن الله قد عصمني ، وقال محمد بن كعب القرظي : نزلت (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) بسبب الأعرابي الذي اخترط سيف النبي صلىاللهعليهوسلم ليقتله به.
قال القاضي أبو محمد : هو غورث بن الحارث ، والقصة في غزوة ذات الرقاع ، وقال ابن جريج كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يهاب قريشا فلما نزلت هذه الآية إلى قوله (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) استلقى وقال : من شاء فليخذلني ، مرتين أو ثلاثا ، و (يَعْصِمُكَ) معناه يحفظك ويجعل عليك وقاية ، ومنه قوله تعالى : (يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) [هود : ٤٣] ومنه قول الشاعر :
فقلت عليكم مالكا إن مالكا |
|
سيعصمكم إن كان في الناس عاصم |
وهذه العصمة التي في الآية هي من المخاوف التي يمكن أن توقف عن شيء من التبليغ كالقتل والأسر والأذى في الجسم ونحوه ، وأما أقوال الكفار ونحوها فليست في الآية ، وقوله تعالى : (لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) إما على الخصوص فيمن سبق في علم أنه لا يؤمن ، وإما على العموم على أن لا هداية في الكفر ، ولا يهدي الله الكافر في سبل كفره.
ثم أمر تعالى نبيه محمدا عليهالسلام أن يقول لأهل الكتاب الحاضرين معه (لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) أي على شيء مستقيم حتى تقيموا التوراة والإنجيل ، وفي إقامة هذين الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وقوله تعالى : (وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) يعني به القرآن ، قاله ابن عباس وغيره ثم أخبر تعالى نبيه أنه سيطغى كثير منهم بسبب نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ويزيده نزول القرآن والشرع كفرا وحسدا ، ثم سلاه عنهم وحقرهم بقوله (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) أي لا تحزن إذ لم يؤمنوا ولا تبال عنهم ،