يجوز أن يقال عسى الله أن يقول المؤمنون. وهكذا قوله تعالى : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ) [المنافقون : ١٠] لما كان المعنى «أخرني إلى أجل قريب» أصدق وحمل (أَكُنْ) على الجزم الذي يقتضيه المعنى في قوله (فَأَصَّدَّقَ) ، والوجه الثاني أن يكون قوله (أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) [المائدة : ٥٢] بدلا من اسم الله عزوجل كما أبدل من الضمير في قوله تعالى : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) [الكهف : ٦٣] ثم يعطف (وَيَقُولُ) على أن يأتي لأنه حينئذ كأنك قلت عسى أن يأتي ، والوجه الثالث أن يعطف قوله (وَيَقُولُ) على (فَيُصْبِحُوا) [المائدة : ٥٢] إذ هو فعل منصوب بالفاء في جواب التمني ، إذ قوله عسى الله تمن وترج في حق البشر ، وفي هذا الوجه نظر وكذلك عندي في منعهم جواز عسى الله أن يقول المؤمنون نظر ، إذ الله تعالى يصيرهم يقولون بنصره وإظهار دينه ، فينبغي أن يجوز ذلك اعتمادا على المعنى وقوله تعالى : (جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) نصب جهد على المصدر المؤكد والمعنى أهؤلاء هم المقسمون باجتهاد منهم في الأيمان (إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ) ثم قد ظهر الآن منهم من موالاة اليهود وخذل الشريعة ما يكذب إيمانهم ، ويحتمل قوله تعالى : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أن يكون إخبارا من الله تعالى ، ويحتمل أن يكون من قول المؤمنين على جهة الإخبار بما حصل في اعتقادهم إذ رأوا المنافقين في هذه الأحوال ، ويحتمل أن يكون قوله (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) على جهة الدعاء إما من الله تعالى عليهم وإما من المؤمنين ، وحبط العمل إذا بطل بعد أن كان حاصلا ، وقد يقال حبط في عمل الكفار وإن كان لم يتحصل على جهة التشبيه ، وقرأ جمهور الناس «حبطت بكسر الباء وقرأ أبو واقد والجراح «حبطت» بفتح الباء وهي لغة.
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) الآية قال فيها الحسن بن أبي الحسن ومحمد بن كعب القرظي والضحاك وقتادة نزلت الآية خطابا للمؤمنين عامة إلى يوم القيامة ، والإشارة بالقوم الذين يأتي الله بهم إلى أبي بكر الصديق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة ، وقال هذا القول ابن جريج وغيره.
قال القاضي أبو محمد : ومعنى الآية عندي أن الله وعد هذه الأمة من ارتد منها فإنه يجيء بقوم ينصرون الدين ويغنون عن المرتدين فكان أبو بكر وأصحابه ممن صدق فيهم الخبر في ذلك العصر ، وكذلك هو عندي أمر عليّ مع الخوارج ، وروى أبو موسى الأشعري أنه لما نزلت هذه الآية قرأها النبيصلىاللهعليهوسلم وقال : هم قوم هذا يعني أبا موسى الأشعري وقال هذا القول عياض ، وقال شريح بن عبيد : لما نزلت هذه الآية قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أنا وقومي هم يا رسول الله فقال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : لا ولكنهم قوم هذا ، وأشار إلى أبي موسى ، وقال مجاهد ومحمد بن كعب أيضا : الإشارة إلى أهل اليمن ، وقاله شهر بن حوشب.
قال القاضي أبو محمد : وهذا كله عندي قول واحد ، لأن أهل اليمن هم قوم أبي موسى ، ومعنى الآية على هذا القول مخاطبة جميع من حضر عصر النبي صلىاللهعليهوسلم على معنى التنبيه لهم والعتاب والتوعد ، وقال السدي الإشارة بالقوم إلى الأنصار.