قوله عزوجل :
قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) (١٥) يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٧)
قوله عزوجل : (نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) يحتمل أن يريد محمدا صلىاللهعليهوسلم والقرآن ، وهذا هو ظاهر الألفاظ ، ويحتمل أن يريد موسى عليهالسلام والتوراة ، أي ولو اتبعتموها حق الاتباع لآمنتم بمحمد ، إذ هي آمرة بذلك مبشرة به قوله وقرأ عبيد بن عمير والزهري وسلام وحميد ومسلم بن جندب «به الله» بضم الهاء حيث وقع مثله ، و (اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) معناه بالتكسب والنية والإقبال عليه ، والسبل الطرق ، والقراءة في «رضوان» بضم الراء وبكسرها وهما لغتان ، وقد تقدم ذكر ذلك وقرأ ابن شهاب والحسن بن أبي الحسن «سبل» ساكنة الباء. و (السَّلامِ) في هذه الآية يحتمل أن يكون اسما من أسماء الله تعالى ، فالمعنى طرق الله تعالى التي أمر بها عباده وشرعها لهم ، ويحتمل أن يكون مصدرا كالسلامة فالمعنى طرق النجاة والسلامة من النار. وقوله تعالى : (وَيُخْرِجُهُمْ) يعني المتبعين الرضوان ، فالضمير على معنى من لا على لفظها ، و (الظُّلُماتِ) الكفر ، و (النُّورِ) الإيمان ، وقوله تعالى : (بِإِذْنِهِ) أي يمكنهم من أقوال الإيمان وأفعاله ، ويعلم فعلهم لذلك والتزامهم إياه ، فهذا هو حد الإذن ، العلم بالشيء والتمكين منه ، وقد تقدم شرحه في سورة البقرة والصراط المستقيم هو دين الله وتوحيده وما تركب عليه من شرعه.
ثم أخبر تعالى بكفر النصارى القائلين بأن الله هو المسيح ، وهذه فرقة من النصارى وكل فرقهم على اختلاف أقوالهم يجعل للمسيح عليهالسلام حظا من الألوهية ، وقد تقدم القول في لفظ (الْمَسِيحُ) في سورة آل عمران ، ثم رد عليهم تعالى قوله لنبيه : (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي لا مالك ولا رادّ لإرادة الله تعالى في المسيح ولا في غيره فهذا مما تقضي العقول معه أن من تنفذ الإرادة فيه ليس بإله ، ثم قرر تعالى ملكه في السموات والأرض وما بينهما فحصل المسيح عليهالسلام أقل أجزاء ملك الله تعالى ، وقوله تعالى : (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) إشارة إلى خلقه المسيح في رحم مريم من غير والد. بل اختراعا كآدم عليهالسلام ، وقد تقدم في آل عمران الفرق بين قوله تعالى في قصة زكرياء (يَفْعَلُ ما يَشاءُ) [آل عمران : ٤٠] وفي قصة مريم (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) وقوله تعالى : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) عموم معناه الخصوص في ما عدا الذات والصفات والمحالات ، والشيء في اللغة هو الموجود.