وقال معدان بن أبي طلحة : خطب عمر بالناس يوم الجمعة فقال : إني والله ما أدع بعدي شيئا هو أهم إليّ من أمر الكلالة ، وقد سألت عنها رسول الله ، فما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيها ، حتى طعن في نحري وقال : تكفيك آية الصيف التي أنزلت في آخر سورة النساء ، فإن أعش فسأقضي فيها بقضية لا يختلف معها اثنان ممن يقرأ القرآن ، وسئل عقبة بن عامر عن الكلالة فقال : ألا تعجبون لهذا يسألني عن الكلالة؟ وما أعضل بأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم شيء ما أعضلت بهم الكلالة.
قال القاضي أبو محمد : فظاهر كلام عمر رضي الله عنه أن آية الصيف هي هذه ، وروى أبو سلمة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه سئل عن الكلالة فقال : ألم تسمع الآية التي أنزلت في الصيف (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً) [النساء : ١٢] إلى آخر الآية.
قال القاضي رحمهالله : هذا هو الظاهر ، لأن البراء بن عازب قال : آخر آية أنزلت على النبي صلىاللهعليهوسلم (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) وقال كثير من الصحابة : هي من آخر ما نزل ، وقال جابر بن عبد الله : نزلت بسببي ، عادني رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا مريض فقلت يا رسول الله : كيف أقضي في مالي وكان لي تسع أخوات ، ولم يكن لي والد ولا ولد؟ فنزلت الآية.
قال القاضي أبو محمد : وقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : تكفيك منها آية الصيف ، بيان فيه كفاية وجلاء ، ولا أدري ما الذي أشكل منها على الفاروق رضوان الله عليه؟ إلا أن تكون دلالة اللفظ ولذلك قال بعضهم : (الْكَلالَةِ) الميت نفسه ، وقال آخرون (الْكَلالَةِ) المال ، إلى غير ذلك من الخلاف ، وإذا لم يكن في الفريضة والد ولا ولد وترك الميت أختا ، فلها النصف فرضا مسمى بهذه الآية ، فإن ترك الميت بنتا وأختا ، فللبنت النصف ، وللأخت النصف بالتعصيب لا بالفرض المسمى ، ولعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس في هذه المسألة خلاف للناس وذكر عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال في خطبته : ألا إن آية أول سورة النساء أنزلها الله في الولد والوالد ، والآية الثانية أنزلها الله في الزوج والزوجة والإخوة من الأم والآية التي ختم بها سورة النساء أنزلها في الإخوة والأخوات من الأب والأم ، والآية التي ختم بها سورة الأنفال ، أنزلها الله في أولي الأرحام ، وقرأ ابن أبي عبلة «فإن للذكر مثل حظ». وقوله تعالى (أَنْ تَضِلُّوا) معناه : كراهية أن تضلوا ، وحذر أن تضلوا فالتقدير. لئلا تضلوا ، ومنه قول القطامي في صفة ناقة : [الوافر].
رأينا ما يرى البصراء منها |
|
فآلينا عليها أن تباعا |
وكان عمر رضي الله عنه إذا قرأ (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) قال : اللهم من بينت له الكلالة فلم تبين لي.