سعيد بن جبير وغيره : هذا على وجه المعروف فقط ، يقوله ولي الوارث دون عطاء ينفذ ، وقالت فرقة : بل يعطي ولي الوارث الصغير من مال محجوره بقدر ما يرى ، والقول الثاني فيمن خوطب بها : إن الخطاب للمحتضرين الذين يقسمون أموالهم بالوصية ، فالمعنى : إذا حضركم الموت أيها المؤمنون ، وقسمتم أموالكم بالوصية ، وحضركم من لا يرث من ذي القرابة واليتامى فارزقوهم منه ، قال ابن عباس وسعيد بن المسيب وابن زيد قال : كانوا يقولون للوصي : فلان يقسم ماله ، ومعنى «حضر» : شهد ، إلا أن الصفة بالضعف واليتم والمسكنة تقضي أن ذلك هو علة الرزق ، فحيث وجدت رزقوا وإن لم يحضروا القسمة ، و (أُولُوا) : اسم جمع لا واحد له من لفظه ، ولا يكون إلا مضافا للإبهام الذي فيه ، وربما كان واحده من غير لفظة : ذو ، واليتم : الانفراد واليتيم : الفرد ، وكذلك سمي من فقد أباه يتيما لانفراده ، ورأى عبيدة ومحمد بن سيرين أن الرزق في هذه الآية ، أن يصنع لهم طعام يأكلونه ، وفعلا ذلك ، ذبحا شاة من التركة ، والضمير في قوله : (فَارْزُقُوهُمْ) وفي قوله : (لَهُمْ) عائد على الأصناف الثلاثة ، وغير ذلك من تفريق عود الضميرين كما ذهب إليه الطبري تحكم ـ والقول المعروف : كل ما يؤنس به من دعاء أو عدة أو غير ذلك.
وقوله (وَلْيَخْشَ) جزم بلام الأمر ، ولا يجوز إضمار هذه اللام عند سيبويه ، قياسا على حروف الجر ، إلا في ضرورة شعر ، ومنه قول الشاعر : [الوافر]
محمّد تفد نفسك كلّ نفس |
|
إذا ما خفت من أمر تبالا |
وقرأ أبو حيوة وعيسى بن عمر والحسن والزهري : بكسر لامات الأمر في هذه الآية ، وقد تقدم الكلام على لفظ (ذُرِّيَّةً) في سورة آل عمران ، ومفعول يخشى محذوف لدلالة الكلام عليه ، وحسن حذفه من حيث يتقدر فيه التخويف بالله تعالى. والتخويف بالعاقبة في الدنيا ، فينظر كل متأول بحسب الأهم في نفسه ، وقرأ أبو عبد الرحمن وأبو حيوة والزهري وابن محيصن وعائشة : «ضعفاء» بالمد وضم الضاد ، وروي عن ابن محيصن «ضعفا» بضم الضاد والعين وتنوين الفاء ، وأمال حمزة (ضِعافاً) وأمال ـ (خافُوا) ، والداعي إلى إمالة (خافُوا) الكسرة التي في الماضي في قولك : خفت ، ليدل عليها ، و (خافُوا) جواب (لَوْ) ، تقديره : لو تركوا لخافوا ، ويجوز حذف اللام في جواب ـ لو ـ تقول ـ لو قام زيد لقام عمرو ، ولو قام زيد قام عمرو ، واختلف من المراد بهذه الآية؟ فقال ابن عباس وقتادة والسدي وابن جبير والضحاك ومجاهد : المراد من حضر ميتا حين يوصي فيقول له : قدم لنفسك وأعط فلان وفلانة ويؤذي الورثة بذلك ، فكأن الآية تقول لهم : كما كنتم تخشون على ورثتكم وذريتكم بعدكم ، فكذلك فاخشوا على ورثة غيركم وذريته ، ولا تحملوه على تبذير ماله وتركهم عالة. وقال مقسم وحضرمي : نزلت في عكس ذلك ، وهو أن يقول للمحتضر : أمسك على ورثتك وأبق لولدك ، وينهاه عن الوصية فيضر بذلك ذوي القربى ، وكل من يستحق أن يوصي له ، فقيل لهم : كما كنتم تخشون على ذريتكم وتسرون بأن يحسن إليهم ، فكذلك فسدوا القول في جهة المساكين واليتامى ، واتقوا الله في ضرهم.
قال القاضي أبو محمد : وهذان القولان لا يطرد واحد منهما في كل الناس ، بل الناس صنفان يصلح لأحدهما القول الواحد ، وللآخر القول الثاني ، وذلك أن الرجل إذا ترك ورثة مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن