مضطرين ، وإنما جوزي بها لأنها تحتاج إلى جواب ، ولأنها يليها الفعل مظهرا أو مضمرا ، واحتج الخليل على منع شرطيتها بحصول ما بعدها ، ألا ترى أنك تقول أجيئك إذا احمر البسر ، ولا تقول : إن احمر البسر ، وقال الحسن وقتادة : الرشد في العقل والدين ، وقال ابن عباس : بل في العقل وتدبير المال لا غير ، وهو قول ابن القاسم في مذهبنا ، والرواية الأخرى : أنه في العقل والدين مروية عن مالك ، وقالت فرقة: دفع الوصي المال إلى المحجور يفتقر إلى أن يرفعه إلى السلطان ويثبت عنده رشده ، أو يكون ممن يأمنه الحاكم في مثل ذلك ، وقالت فرقة : ذلك موكول إلى اجتهاد الوصي دون أن يحتاج إلى رفعه إلى السلطان.
قال القاضي أبو محمد : والصواب في أوصياء زمننا أن لا يستغنى عن رفعه إلى السلطان وثبوت الرشد عنده ، لما حفظ من تواطؤ الأوصياء على أن يرشد الوصي ويبرى المحجور لسفهه وقلة تحصيله في ذلك الوقت ، وقوله : (وَلا تَأْكُلُوها) الآية ، نهي من الله تعالى للأوصياء عن أكل أموال اليتامى بغير الواجب المباح لهم ، والإسراف : الإفراط في الفعل ، والسرف الخطأ في مواضع الإنفاق ، ومنه قول الشاعر [جرير] : [البسيط]
ما في عطائهم منّ ولا سرف
أي لا يخطئون مواضع العطاء. (وَبِداراً) : معناه مبادرة كبرهم ، أي إن الوصي يستغنم مال محجوره فيأكل ويقول : أبادر كبره لئلا يرشد ويأخذ ماله ، قاله ابن عباس وغيره. و (أَنْ يَكْبَرُوا) نصب ببدارا ، ويجوز أن يكون التقدير مخافة أن وقوله : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) الآية ، يقال : عف الرجل عن الشيء واستعف : إذا أمسك ، فأمر الغني بالإمساك عن مال اليتيم ، وأباح الله للوصي الفقير أن يأكل من مال يتيمه بالمعروف ، واختلف العلماء في حد المعروف ، فقال عمر بن الخطاب وابن عباس وعبيدة وابن جبير والشعبي ومجاهد وأبو العالية : إن ذلك القرض أن يتسلف من مال يتيمه ويقضي إذا أيسر ، ولا يتسلف أكثر من حاجته ، وقال ابن عباس أيضا وعكرمة والسدي وعطاء : روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : إني نزلت من مال الله منزلة والي اليتيم ، إن استغنيت استعففت ، وإن احتجت أكلت بالمعروف ، فإذا أيسرت قضيت. وروي عن إبراهيم وعطاء وغيرهما أنه لا قضاء على الوصي الفقير فيما أكل بالمعروف ، قال الحسن : هي طعمة من الله له ، وذلك أن يأكل ما يقيمه أكلا بأطراف الأصابع ، ولا يكتسي منه بوجه ، وقال إبراهيم النخعي ومكحول : يأكل ما يقيمه ويكتسي ما يستر عورته ، ولا يلبس الكتان والحلل ، وقال ابن عباس وأبو العالية والحسن والشعبي : إنما يأكل الوصي بالمعروف إذا شرب من اللبن وأكل من الثمر بما يهنأ الجربى ويليط الحوض ويجد الثمر وما أشبهه ، وقالت فرقة : المعروف أن يكون له أجر بقدر عمله وخدمته ، وقال الحسن بن حي : إن كان وصي أب فله الأكل بالمعروف ، وإن كان وصي حاكم فلا سبيل له إلى المال بوجه ، وقال ابن عباس والنخعي : المراد أن يأكل الوصي بالمعروف من ماله حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم ، وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن : المراد اليتامى في الحالين ، أي : من كان منهم غنيا فليعف بماله ، ومن كان فقيرا فليتقتر عليه بالمعروف والاقتصاد ، وقوله : (فَإِذا دَفَعْتُمْ) الآية. أمر من الله بالتحرز والحزم ، وهذا هو الأصل في الإشهاد في المدفوعات كلها ، إذا كان حبسها أولا معروفا ، وقالت فرقة : الإشهاد هاهنا فرض وقالت فرقة : هو ندب إلى الحزم ، وروى عمر بن الخطاب وابن جبيرة أن هذا هو دفع