هذا قول صاحب الحائط : لقد أصابتني في مالي هذا فتنة ، وأصل الفتنة الاختبار بالشدائد ، وإلى هذا المعنى ترجع كيف تصرفت ، وعدو وصف يجري على الواحد والجماعة ، و «مبين» مفعل من أبان ، المعنى : قد جلحوا في عدواتكم وراموكم كل مرام.
وقوله تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ) الآية قال جمهور الأمة : الآية خطاب للنبي عليهالسلام ، وهو يتناول الأمراء بعده إلى يوم القيامة ، وقال أبو يوسف وإسماعيل بن علية : الآية خصوص للنبي صلىاللهعليهوسلم ، لأن الصلاة بإمامة النبي عليهالسلام لا عوض منها ، وغيره من الأمراء منه العوض ، فيصلي الناس بإمامين ، طائفة بعد طائفة ، ولا يحتاج إلى غير ذلك.
قال القاضي أبو محمد : وكذلك جمهور العلماء على أن صلاة الخوف تصلى في الحضر إذا نزل الخوف ، وقال قوم : لا صلاة خوف في حضر ، وقاله في المذهب عبد الملك بن الماجشون ، وقال الطبري : (فَأَقَمْتَ لَهُمُ) معناه : حدودها وهيئتها ، ولم تقصر على ما أبيح قبل في حال المسايفة ، وقوله (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) ، أمر بالانقسام ، أي وسائرهم وجاه العدو حذرا وتوقع حملته ، وأعظم الروايات والأحاديث على أن صلاة الخوف إنما نزلت الرخصة فيها في غزوة ذات الرقاع ، وهي غزوة محارب وخصفة ، وفي بعض الروايات : أنها نزلت في ناحية عسفان وضجنان ، والعدو : خيل قريش ، عليها خالد بن الوليد ، واختلف من المأمور بأخذ الأسلحة هنا؟ فقيل الطائفة المصلية ، وقيل : بل الحارسة.
قال القاضي أبو محمد : ولفظ الآية يتناول الكل ، ولكن سلاح المصلين ما خف ، واختلفت الآثار في هيئة صلاة النبي عليهالسلام بأصحابه صلاة الخوف ، وبحسب ذلك اختلف الفقهاء ، فروى يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة أنه صلّى مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم صلاة الخوف يوم ذات الرقاع ، فصفت طائفة معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ، ثم ثبت قائما وأتموا ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ، ثم سلم بهم ، وروى القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن سهل هذا الحديث بعينه ، إلا أنه روى أن النبي صلىاللهعليهوسلم حين صلّى بالطائفة الأخيرة ركعة ، سلم ، ثم قضت هي بعد سلامه ، وبهذا الحديث أخذ مالك رحمهالله في صلاة الخوف ، كان أولا يميل إلى رواية يزيد بن رومان ، ثم رجع إلى رواية القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وروى مجاهد وغيره عن ابن عياش الزرقي واسمه زيد بن الصامت على خلاف فيه : أن النبي عليهالسلام صلّى صلاة الخوف بعسفان والعدو في قبلته ، قال : فصلى بنا النبي صلىاللهعليهوسلم الظهر ، فقال المشركون : لقد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم ، فقالوا : تأتي الآن عليهم صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم ، قال : فنزل جبريل بين الظهر والعصر بهذه الآيات ، وأخبره خبرهم ، ثم قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم فصف العسكر خلفه صفين ، ثم كبر فكبروا جميعا ، ثم ركع فركعنا جميعا ، ثم رفع فرفعنا جميعا ، ثم سجد النبي صلىاللهعليهوسلم بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم ، فلما سجدوا وقاموا سجد الآخرون في مكانهم ، ثم تقدموا إلى مصاف المتقدمين وتأخر المتقدمون إلى مصاف المتأخرين ، ثم ركع فركعوا جميعا ، ثم رفع فرفعوا جميعا ، ثم سجد النبي فسجد الصف الذي يليه ، فلما رفع سجد الآخرون ، ثم سلم فسلموا جميعا ، ثم