فهذا إخبار بأنهم يكذبون. والقراءة بالتخفيف يؤيدها أن سياق الآيات إنما هي إخبار بكذبهم ، والتوعد بالعذاب الأليم ، متوجه على الكذب في مثل هذه النازلة ، إذ هو منطو على الكفر ، وقراءة التثقيل أرجح. و (إِذا) ظرف زمان ، وحكي عن المبرد أنها في قولك في المفاجأة خرجت فإذا زيد ظرف مكان ، لأنها تضمنت جثة ، وهذا مردود لأن المعنى «خرجت فإذا حضور زيد» فإنما تضمنت المصدر ، كما يقتضيه سائر ظروف الزمان ، ومنه قولهم : «اليوم خمر ، وغدا أمر» فمعناه وجود خمر ووقوع أمر ، والعامل في (إِذا) في هذه الآية (قالُوا). وأصل (قِيلَ) قول نقلت حركة الواو إلى القاف فقلبت ياء لانكسار ما قبلها.
وقرأ الكسائي : «قيل وغيض وسيء وسيئت وحيل وسيق وجيء» بضم أوائل ذلك كله. وروي مثل ذلك عن ابن عامر. وروي أيضا عنه أنه كسر «غيض وقيل وجيء» ، الغين والقاف والجيم حيث وقع من القرآن وضم نافع من ذلك كله حرفين «سيء وسيئت» وكسر ما بقي. وكان ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة يكسرون أوائل هذه الحروف كلها ، والضمير في (لَهُمْ) هو عائد إلى المنافقين المشار إليهم قبل.
وقال بعض الناس : «الإشارة هنا هي إلى منافقي اليهود».
وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه في تفسير هذه الآية : لم يجىء هؤلاء بعد ومعنى قوله : لم ينقرضوا بل هم يجيئون في كل زمان.
و (لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) معناه بالكفر وموالاة الكفرة ، و (نَحْنُ) اسم من ضمائر المرفوع مبني على الضم ، إذ كان اسما قويا يقع للواحد المعظم والاثنين والجماعة ، فأعطي أسنى الحركات.
وأيضا فلما كان في الأغلب ضمير جماعة ، وضمير الجماعة في الأسماء الظاهرة الواو أعطي الضمة إذ هي أخت الواو ، ولقول المنافقين : (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) ثلاث تأويلات :
أحدها : جحد أنهم مفسدون وهذا استمرار منهم على النفاق.
والثاني : أن يقروا بموالاة الكفار ويدعون أنها صلاح من حيث هم قرابة توصل.
والثالث : أنهم مصلحون بين الكفار والمؤمنين ، فلذلك يداخلون الكفار. و (أَلا) استفتاح كلام ، و «إن» بكسر الألف استئناف ، و (هُمُ) الثاني رفع بالابتداء ، و (الْمُفْسِدُونَ) خبره والجملة خبر «إن» ، ويحتمل أن يكون فصلا ويسميه الكوفيون : «العماد» ويكون (الْمُفْسِدُونَ) خبر «إن» ، فعلى هذا لا موضع ل (هُمُ) من الإعراب ، ويحتمل أن يكون تأكيدا للضمير في أنهم فموضعه نصب ، ودخلت الألف واللام في قوله : (الْمُفْسِدُونَ) لما تقدم ذكر اللفظة في قوله : (لا تُفْسِدُوا) فكأنه ضرب من العهد ، ولو جاء الخبر عنهم ولم يتقدم من اللفظة ذكر لكان ألا إنهم مفسدون. قاله الجرجاني.
قال القاضي أبو محمد : وهذه الألف واللام تتضمن المبالغة كما تقول زيد هو الرجل أي حق الرجل ، فقد تستغني عن مقدمة تقتضي عهدا ، و (لكِنْ) بجملته حرف استدراك ، ويحتمل أن يراد هنا لا يشعرون أنهم مفسدون ، ويحتمل أن يراد لا يشعرون أن الله يفضحهم ، وهذا مع أن يكون قولهم (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) جحدا محضا للإفساد. والاحتمال الأول هو بأن يكون قولهم : (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) اعتقادا منهم أنه