وقرأ الزهري وابن محيصن «أنذرتهم» بحذف الهمزة الأولى ، وتدل (أَمْ) على الألف المحذوفة ، وكثر مكي في هذه الآية بذكر جائزات لم يقرأ بها ، وحكاية مثل ذلك في كتب التفسير عناء. والإنذار إعلام بتخويف ، هذا حده ، وأنذرت فعل يتعدى إلى مفعولين.
قال الله عزوجل : (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) [فصلت : ١٣] وقال: (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) [النساء : ٤٠] وأحد المفعولين في هذه الآية محذوف لدلالة المعنى عليه.
وقوله تعالى : (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) لفظه لفظ الاستفهام ، ومعناه الخبر ، وإنما جرى عليه لفظ الاستفهام لأن فيه التسوية التي هي في الاستفهام ، ألا ترى أنك إذا قلت مخبرا سواء عليّ أقعدت أم ذهبت ، وإذا قلت مستفهما أخرج زيد أم قام ، فقد استوى الأمران عندك ، هذان في الخبر ، وهذان في الاستفهام وعدم علم أحدهما بعينه ، فلما عمتهما التسوية جرى على هذا الخبر لفظ الاستفهام لمشاركته إياه في الإبهام ، وكل استفهام تسوية ، وإن لم تكن كل تسوية استفهاما.
وقوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ) مأخوذ من الختم وهو الطبع ، والخاتم الطابع ، وذهبت طائفة من المتأولين إلى أن ذلك على الحقيقة ، وأن القلب على هيئة الكف ينقبض مع زيادة الضلال والإعراض إصبعا إصبعا.
وقال آخرون : ذلك على المجاز ، وإن ما اخترع له في قلوبهم من الكفر والضلال والإعراض عن الإيمان سماه ختما.
وقال آخرون ممن حمله على المجاز : «الختم هنا أسند إلى الله تعالى لما كفر الكافرون به وأعرضوا عن عبادته وتوحيده ، كما يقال أهلك المال فلانا وإنما أهلكه سوء تصرفه فيه».
وقرأ الجمهور : (وَعَلى سَمْعِهِمْ).
وقرأ ابن أبي عبلة : «وعلى أسماعهم» ، وهو في قراءة الجمهور مصدر يقع للقليل والكثير ، وأيضا فلما أضيف إلى ضمير جماعة دل المضاف إليه على المراد ، ويحتمل أن يريد على مواضع سمعهم فحذف وأقام المضاف إليه مقامه.
والغشاوة الغطاء المغشي الساتر ، ومنه قول النابغة : [البسيط]
هلا سألت بني ذبيان ما حسبي |
|
إذا الدخان تغشى الأشمط البرما |
وقال الآخر : [الحارث بن خالد المخزومي] : [الطويل]
تبعتك إذ عيني عليها غشاوة |
|
فلما انجلت قطعت نفسي ألومها |
ورفع غشاوة على الابتداء وما قبله خبره.
وقرأ عاصم فيما روى المفضل الضبي عنه «غشاوة» بالنصب على تقدير وجعل على أبصارهم غشاوة ، والختم على هذا التقدير في القلوب والأسماع ، والغشوة على الأبصار ، والوقف على قوله (وَعَلى سَمْعِهِمْ).