وقوله : (يُقِيمُونَ) معناه يظهرونها ويثبتونها ، كما يقال : أقيمت السوق ، وهذا
تشبيه بالقيام من حالة خفاء ، قعود أو غيره ، ومنه قول الشاعر : [الكامل].
وإذا يقال أتيتم
لم يبرحوا
|
|
حتى تقيم الخيل
سوق طعان
|
ومنه قول الشاعر :
[المتقارب]
أقمنا لأهل
العراقين سوق الطّ
|
|
طعان فخاموا
وولّوا جميعا
|
وأصل (يُقِيمُونَ) يقومون ، نقلت حركة الواو إلى القاف فانقلبت ياء لكون
الكسرة قبلها. و (الصَّلاةَ) مأخوذة من صلى يصلي إذا دعا ، كما قال الشاعر : [البسيط]
عليك مثل الذي
صلّيت فاغتمضي
|
|
يوما فإنّ لجنب
المرء مضطجعا
|
ومنه قول الآخر : [الطويل]
لها حارس لا
يبرح الدهر بيتها
|
|
وإن ذبحت صلّى
عليها وزمزما
|
فلما كانت الصلاة
في الشرع دعاء انضاف إليه هيئات وقراءة سمي جميع ذلك باسم الدعاء. وقال قوم : هي
مأخوذة من الصّلا وهو عرق في وسط الظهر ويفترق عند العجب فيكتنفه ، ومنه أخذ
المصلي في سبق الخيل ، لأنه يأتي مع صلوي السابق ، فاشتقّت الصلاة منه ، إما لأنها
جاءت ثانية للإيمان فشبهت بالمصلّي من الخيل ، وإما لأن الراكع والساجد صلواه.
قال القاضي أبو
محمد : والقول إنها من الدعاء أحسن.
وقوله تعالى : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) كتبت «مما» متصلة «وما» بمعنى «الذي» فحقّها أن تكون
منفصلة ، إلا أن الجار والمجرور كشيء واحد ، وأيضا فلما خفيت نون «من» في اللفظ
حذفت في الخط. والرزق عند أهل السنة. ما صح الانتفاع به حلالا كان أو حراما ،
بخلاف قول المعتزلة إن الحرام ليس برزق. و (يُنْفِقُونَ) معناه هنا يؤتون ما ألزمهم الشرع من زكاة وما ندبهم إليه
من غير ذلك.
قال ابن عباس : (يُنْفِقُونَ) يؤتون الزكاة احتسابا لها».
قال غيره : «الآية
في النفقة في الجهاد».
قال الضحاك : «هي
نفقة كانوا يتقربون بها إلى الله عزوجل على قدر يسرهم».
قال ابن مسعود
وابن عباس أيضا : «هي نفقة الرجل على أهله».
قال القاضي أبو
محمد : والآية تعمّ الجميع. وهذه الأقوال تمثيل لا خلاف.
قوله عزوجل :
(وَالَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ
هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً
مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
(٥)
اختلف المتأولون
فيمن المراد بهذه الآية وبالتي قبلها.