قال : «والنصب في الراء على ضربين : على الحال كأنك قلت أنعمت عليهم لا مغضوبا عليهم ، أو على الاستثناء كأنك قلت إلا المغضوب عليهم ، ويجوز النصب على أعني». وحكي نحو هذا عن الخليل.
ومما يحتج به لمن ينصب أن (غَيْرِ) نكرة فكره أن يوصف بها المعرفة ، والاختيار الذي لا خفاء به الكسر. وقد روي عن ابن كثير ، فأولى القولين ما لم يخرج عن إجماع قراء الأمصار.
قال أبو بكر بن السراج : «والذي عندي أن (غَيْرِ) في هذا الموضع مع ما أضيف إليه معرفة ، وهذا شيء فيه نظر ولبس ، فليفهم عني ما أقول : اعلم أن حكم كل مضاف إلى معرفة أن يكون معرفة ، وإنما تنكرت غير ومثل مع إضافتهما إلى المعارف من أجل معناهما ، وذلك إذا قلت رأيت غيرك فكل شيء سوى المخاطب فهو غيره ، وكذلك إذا قلت رأيت مثلك فما هو مثله لا يحصى لكثرة وجوه المماثلة ، فإنما صارا نكرتين من أجل المعنى فأما إذا كان شيء معرفة له ضد واحد وأردت إثباته ، ونفي ضده ، وعلم ذلك السامع فوصفته بغير وأضفت غير إلى ضده فهو معرفة ، وذلك كقولك عليك بالحركة غير السكون ، وكذلك قولك غير المغضوب لأن من أنعم عليه لا يعاقبه إلا من غضب عليه ، ومن لم يغضب عليه فهو الذي أنعم عليه ، فمتى كانت غير على هذه الصفة وقصد بها هذا المقصد فهي معرفة».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : أبقى أبو بكر (الَّذِينَ) على حد التعريف ، وجوز نعتها ب (غَيْرِ) لما بينه من تعرف غير في هذا الموضع ، وغير أبي بكر وقف مع تنكر غير ، وذهب إلى تقريب (الَّذِينَ) من النكرة إذ هو اسم شائع لا يختص به معين ، وعلى هذا جوز نعتها بالنكرة ، و (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) اليهود ، والضالون النصارى. وهكذا قال ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، والسدي ، وابن زيد ، وروي ذلك عدي بن حاتم عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذلك بين من كتاب الله تعالى ، لأن ذكر غضب الله على اليهود متكرر فيه كقوله : (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) [البقرة : ٦١ ، آل عمران : ١١٢] ، وكقوله تعالى : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ) [المائدة : ٦٠] فهؤلاء اليهود ، بدلالة قوله تعالى بعده: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) [البقرة : ٦٥] والغضب عليهم هو من الله تعالى ، وغضب الله تعالى عبارة عن إظهاره عليهم محنا وعقوبات وذلة ونحو ذلك ، مما يدل على أنه قد أبعدهم عن رحمته بعدا مؤكدا مبالغا فيه ، والنصارى كان محققوهم على شرعة قبل ورود شرع محمد صلىاللهعليهوسلم ، فلما ورد ضلوا ، وأما غير محققيهم فضلالهم متقرر منذ تفرقت أقوالهم في عيسى عليهالسلام. وقد قال الله تعالى فيهم : (وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) [المائدة : ٧٧].
قال مكي رحمهالله حكاية : دخلت (لَا) في قوله (وَلَا الضَّالِّينَ) لئلا يتوهم أن (الضَّالِّينَ) عطف على (الَّذِينَ).
قال : «وقيل هي مؤكدة بمعنى غير».
وحكى الطبري أن (لَا) زائدة ، وقال : هي هنا على نحو ما هي عليه في قول الراجز :
فما ألوم البيض ألا تسخرا ـ أراد أن تسخر ـ
وفي قول الأحوص : [الطويل]