عظيمة ، وهي الفكرة في قدرة الله تعالى ومخلوقاته ، والعبر التي بث : [المتقارب]
وفي كل شيء له آية |
|
تدلّ على أنّه واحد |
ومر النبي صلىاللهعليهوسلم على قوم يتفكرون في الله فقال : تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق ، فإنكم لا تقدرون قدره ، وهذا هو قصد الآية : (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، وقال بعض العلماء : المتفكر في ذات الله تعالى كالناظر في عين الشمس ، لأنه تعالى ليس كمثله شيء ، وإنما التفكير وانبساط الذهن في المخلوقات ، وفي مخاوف الآخرة ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا عبادة كتفكر ، وقال الحسن بن أبي الحسن : الفكرة مرآة المؤمن ، ينظر فيها إلى حسناته وسيئاته ، وقال ابن عباس وأبو الدرداء : فكرة ساعة خير من قيام ليلة ، وقال سري السقطي : فكرة ساعة خير من عبادة سنة ، ما هو إلا أن تحل أطناب خيمتك فتجعلها في الآخرة ، وأخذ أبو سليمان الداراني قدح الماء ليتوضا لصلاة الليل وعنده ضيف ، فرآه لما أدخل أصبعه في أذن القدح أقام كذلك مفكرا حتى طلع الفجر ، فقال له ما هذا يا أبا سليمان؟ فقال : إني لما طرحت أصبعي في أذن القدح تذكرت قول الله جل وتعالى : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ) [غافر : ٧١] ، ففكرت في حالي ، وكيف أتلقى الغل إن طرح في عنقي يوم القيامة ، فما زلت في ذلك حتى أصبحت.
قال القاضي : فهذه نهاية الخوف ، وخير الأمور أوسطها ، وليس علماء الأمة الذين هم الحجة على هذا المنهاج ، وقراءة علم كتاب الله ومعاني سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم لمن يفهم ويرجى نفعه أفضل من هذا ، لكنه يحسن أن لا تخلو البلاد من مثل هذا ، وحدثني أبي رضي الله عنه عن بعض علماء المشرق قال : كنت بائتا في مسجد الأقدام بمصر ، فصليت العشاء فرأيت رجلا قد اضطجع في كساء له مسجى بكسائه حتى أصبح ، وصلينا نحن تلك الليلة وسهرنا ، فلما أقيمت صلاة الصبح قام ذلك الرجل فاستقبل القبلة فصلى مع الناس ، فاستعظمت جرأته في الصلاة بغير وضوء ، فلما فرغت الصلاة خرج فتبعته لأعظه فلما دنوت منه سمعته ينشد : [المنسرح]
منسحق الجسم غائب حاضر |
|
منتبه القلب صامت ذاكر |
منقبض في الغيوب منبسط |
|
كذاك من كان عارفا ذاكرا |
يبيت في ليله أخا فكر |
|
فهو مدى اللّيل نائم ساهر |
قال فعلمت أنه ممن يعبد بالفكرة وانصرفت عنه ، وقوله تعالى : (رَبَّنا) معناه يقولون ربنا على النداء ، ما خلقت هذا باطلا ، يريد لغير غاية منصوبة بل خلقته وخلقت البشر لينظر فيه فتوحد وتعبد ، فمن فعل ذلك نعمته ومن ضل عن ذلك عذبته لكفره وقوله عليك ما لا يليق بك ، ولهذا المعنى الذي تعطيه قوة اللفظ حسن قولهم : (سُبْحانَكَ) : أي تنزيها لك عما يقول المبطلون وحسن قولهم : (فَقِنا عَذابَ النَّارِ) إذ نحن المسبحون المنزهون لك الموحدون.
وقولهم : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) ، استجارة واستعاذة ، أي فلا تفعل بنا ذلك ولا تجعلنا ممن يعمل عملها ، والخزي : الفضيحة المخجلة الهادمة لقدر المرء ، خزي الرجل يخزى خزيا إذا