إلى غير ذلك ، وقال الزهري وغيره : نزلت هذه الآية بسبب كعب بن الأشرف ، فإنه كان يهجو النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأصحابه ويشبب بنساء المسلمين ، حتى بعث إليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم من قتله القتلة المشهورة في السيرة ، و «الأذى» : اسم جامع في معنى الضرر وهو هنا يشمل أقوالهم فيما يخص النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه من سبهم وأقوالهم في جهة الله تعالى وأنبيائه ، وندب الله تعالى عباده إلى الصبر والتقوى ، وأخبر أنه من عزم الأمور ، أي من أشدها وأحسنها ، و «العزم» : إمضاء الأمر المروي المنقح ، وليس ركوب الأمر دون روية عزما إلا على مقطع المشيخين من فتاك العرب كما قال :
إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه |
|
ونكّب عن ذكر الحوادث جانبا |
وقال النقاش : العزم والحزم بمعنى واحد ، الحاء مبدلة من العين.
قال القاضي : وهذا خطأ ، والحزم : جودة النظر في الأمور وتنقيحه والحذر من الخطأ فيه ، و «العزم» : قصد الإمضاء ، والله تعالى يقول : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ، فَإِذا عَزَمْتَ) [آل عمران : ١٥٩] فالمشاورة وما كان في معناها هو الحزم ، والعرب تقول : قد أحزم لو أعزم.
وقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) الآية ، توبيخ لمعاصري النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم هو مع ذلك خبر عام لهم ولغيرهم. والعامل في (إِذْ) فعل مقدر تقديره اذكر ، وأخذ هذا الميثاق وهو على ألسنة الأنبياء أمة بعد أمة ، وقال ابن عباس والسدي وابن جريج : الآية في اليهود خاصة ، أخذ الله عليهم الميثاق في أمر محمد فكتموه ونبذوه ، قال مسلم البطين : سأل الحجاج بن يوسف جلساءه عن تفسير هذه الآية فقام رجل إلى سعيد بن جبير فسأله فقال له : نزلت في يهود أخذ الميثاق عليهم في أمر محمد فكتموه ، وروي عن ابن عباس أنه قرأ «وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لتبيننه» فيجيء قوله (فَنَبَذُوهُ) عائدا على الناس الذين بين الأنبياء لهم ، وقال قوم من المفسرين : الآية في اليهود والنصارى ، وقال جمهور من العلماء : الآية عامة في كل من علمه الله علما ، وعلماء هذه الأمة داخلون في هذا الميثاق ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار ، وقد قال أبو هريرة : إني لأحدثكم حديثا ، ولو لا آية في كتاب الله ما حدثتكموه ثم تلا (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ) [البقرة : ١٧٤] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر : «ليبيننه للناس ولا يكتمونه» ، بالياء من أسفل فيهما ، وقرأ الباقون وحفص وعاصم بالتاء من فوق فيهما ، وكلا القراءتين متجه ، والضمير في الفصلين عائد على الكتاب ، وفي قراءة ابن مسعود «لتبينونه» دون النون الثقيلة ، وقد لا تلزم هذه النون لام القسم ، قاله سيبويه ، و «النبذ» : الطرح ، وقوله تعالى: (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) ، استعارة لما يبالغ في اطراحه ، ومنه (وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) [هود : ٩٢] ، ومنه قول الفرزدق : [الطويل]
تميم بن مرّ لا تكوننّ حاجتي |
|
بظهر فلا يعبى عليّ جوابها |
ومنه بالمعنى قول النبي صلىاللهعليهوسلم : لا تجعلوني كقدح الراكب. أراد عليهالسلام ، لا تجعلوا ذكري وطاعتي خلف أظهركم ، وهو موضع القدح ومنه قول حسان : [الطويل]
(كما نيط خلف الراكب القدح الفرد)