ثم وقف تعالى المؤمنين على الخطأ في قلقهم للمصيبة التي نزلت بهم وإعراضهم عما نزل بالكفار ، وعرفهم أن ذلك لسبب أنفسهم ، والواو في قوله : (أَوَلَمَّا) عطف جملة على جملة دخلت عليها ألف التقرير على معنى إلزام المؤمنين هذه المقالة في هذه الحال ، والمصيبة التي نالت المؤمنين هي : قصد ـ أحد ـ وقتل سبعين منهم ، واختلف في المثلين اللذين أصاب المؤمنين فقال قتادة والربيع : وابن عباس وجمهور المتأولين : ذلك في يوم بدر ، قتل المؤمنون من كفار قريش سبعين ، وأسروا سبعين ، وقال الزجّاج : أحد المثلين : هو قتل السبعين يوم بدر ، والثاني : هو قتل اثنين وعشرين من الكفار يوم ـ أحد ـ فهو قتل بقتل ، ولا مدخل للأسرى في هذه الآية ، هذا معنى كلامه ، لأن أسارى بدر أسروا ثم فدوا ، فلا مماثلة بين حالهم وبين قتل سبعين من المؤمنين ، و (أَنَّى) ـ معناها : كيف ومن أين؟ ثم أمر تعالى نبيه عليهالسلام أن يقول لهم : (هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) ، واختلف الناس كيف هو من عند أنفسهم ولأي سبب؟ فقال الجمهور من المفسرين : لأنهم خالفوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الرأي حين رأى أن يقيم بالمدينة ويترك كفار قريش بشر محبس فأبوا إلا الخروج حتى جرت القصة ، وقالت طائفة : قوله تعالى : (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) إشارة إلى عصيان الرماة وتسبيبهم الهزيمة على المؤمنين. وقال الحسن وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما : بل ذلك لما قبلوا الفداء يوم بدر ، وذلك أن عليا بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لما فرغت هزيمة المشركين ببدر جاء جبريل عليهالسلام إلى النبي عليهالسلام فقال : يا محمد إن الله قد كره ما يصنع قومك في أخذ الأسارى ، وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين : أن يقدموا الأسارى فتضرب أعناقهم ، أو يأخذوا الفداء ، على أن يقتل من أصحابك عدة هؤلاء الأسارى ، فدعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم الناس فذكر ذلك لهم فقالوا : يا رسول الله ، عشائرنا وإخواننا ، بل نأخذ فداءهم فنتقوى به على قتال عدونا ويستشهد منا عدتهم ، فليس في ذلك ما نكره ، قال : فقتل منهم يوم أحد ـ سبعون رجلا.
قوله تعالى :
(وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (١٦٦) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ) (١٦٧)
الخطاب بقوله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ) للمؤمنين ، و (الْجَمْعانِ) هما عسكر النبيصلىاللهعليهوسلم وعسكر قريش يوم ـ أحد ـ ودخلت الفاء في قوله : (فَبِإِذْنِ اللهِ) رابطة مشددة ، وذلك للإبهام الذي في (ما) فأشبه الكلام الشرط ، وهذا كما قال سيبويه : الذي قام فله درهمان ، فيحسن دخول الفاء إذا كان القيام سبب الإعطاء ، وكذلك ترتيب هذه الآية ، فالمعنى إنما هو ، وما أذن الله فيه فهو الذي أصاب ، لكن قدم الأهم في نفوسهم والأقرب إلى حسهم ، والإذن : التمكين من الشيء مع العلم به ، وقوله تعالى : (وَلِيَعْلَمَ) معناه : ليكون العلم مع وجود المؤمنين والمنافقين ، أي مساوقين للعلم الذي لم يزل ولا يزال واللام في قوله : (لِيَعْلَمَ) متعلقة بفعل مقدر في آخر الكلام ، والإشارة بقوله : (نافَقُوا) وقيل لهم هي إلى