لا يُظْلَمُونَ (١٦١) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦٢) هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) (١٦٣)
تقدم القول في صيغة : وما كان لكذا أن يكون كذا ، في قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ) [آل عمران : ١٤٥] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم «يغل» بفتح الياء وضم الغين ، وبها قرأ ابن عباس وجماعة من العلماء ، وقرأ باقي السبعة «أن يغل» بضم الياء وفتح الغين ، وبها قرأ ابن مسعود وجماعة من العلماء ، واللفظة : بمعنى الخيانة في خفاء ، قال بعض اللغويين هي مأخوذة من الغلل وهو الماء الجاري في أصول الشجر والدوح ، قال أبو عمرو : تقول العرب : أغل الرجل يغل إغلالا : إذا خان ، ولم يؤد الأمانة ، ومنه قول النمر بن تولب : [الطويل]
جزى الله عنّي جمرة ابنة نوفل |
|
جزاء مغلّ بالأمانة كاذب |
وقال شريح : ليس على المستعير غير المغل ضمان ، قال أبو علي : وتقول من الغل الذي هو الضغن : غل يغل بكسر الغين ، ويقولون في الغلول من الغنيمة : غل يغل بضم الغين ، والحجة لمن قرأ يغل أن ما جاء من هذا النحو في التنزيل أسند الفعل فيه إلى الفاعل على نحو (ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) [يوسف : ٣٨] (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) [يوسف : ٧٦] (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ) [آل عمران : ١٤٥] (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) [التوبة : ١١٥] (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) [آل عمران : ١٧٩] ولا يكاد يجيء : ما كان زيد ليضرب ، فيسند الفعل فيه إلى المفعول به ، وفي هذا الاحتجاج نظر ، وروي عن ابن عباس أنه قرأ «يغل» بضم الغين ، فقيل له : إن ابن مسعود قرأ «يغل» بفتح الغين ، فقال ابن عباس : بلى والله ويقتل ، واختلف المفسرون في السبب الذي أوجب أن ينفي الله تعالى عن النبي أن يكون غالا على هذه القراءة ـ التي هي بفتح الياء وضم الغين ، فقال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير وغيرهم : نزلت بسبب قطيفة حمراء فقدت من المغانم يوم بدر ، فقال بعض من كان مع النبي صلىاللهعليهوسلم : لعل رسول الله أخذها فنزلت الآية.
قال القاضي أبو محمد : قيل : كانت هذه المقالة من مؤمنين لم يظنوا أن في ذلك حرجا ، وقيل كانت من منافقين ، وقد روي أن المفقود إنما كان سيفا ، قال النقاش : ويقال : إنما نزلت لأن الرماة قالوا يوم أحد : الغنيمة الغنيمة أيها الناس ، إنما نخشى أن يقول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : من أخذ شيئا فهو له ، فلما ذكروا ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم ، قال : خشيتم أن نغل؟ ونزلت هذه الآية ، وقال الضحاك : بل السبب أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث طلائع في بعض غزواته ثم غنم قبل مجيئهم ، فقسم للناس ولم يقسم للطلائع ، فأنزل الله تعالى عليه عتابا ، (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) أي يقسم لبعض ويترك بعضا ، وروي نحو هذا القول عن ابن عباس ، ويتجه على هذا أن تكون الآية إعلاما بعدل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقسمه للغنائم ، وردا على الأعراب الذين صاحوا به : اقسم علينا غنائمنا يا محمد ، وازدحموا حتى اضطروه إلى السمرة التي أخذت رداءه ، ونحا إليه الزجّاج ، وقال ابن إسحاق : الآية إنما نزلت إعلاما بأن النبي عليهالسلام لم يكتم شيئا مما أمر بتبليغه.