فصورة قيام الحجة بالقرآن على العرب أنه لما جاء محمد صلىاللهعليهوسلم به وقال : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة : ٢٣] قال كل فصيح في نفسه : وما بال هذا الكلام حتى لا آتي بمثله؟ فلما تأمله وتدبره ، ميز منه ما ميز الوليد بن المغيرة حين قال : «والله ما هو بالشعر ولا هو بالكهانة ولا بالجنون» وعرف كل فصيح بينه وبين نفسه أنه لا يقدر بشر على مثله ، فصح عنده أنه من عند الله تعالى.
فمنهم من آمن وأذعن ، ومنهم من حسد كأبي جهل وغيره ففر إلى القتال ، ورضي بسفك الدم عجزا عن المعارضة ، حتى أظهر الله دينه ، ودخل جميعهم فيه ، ولم يمت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفي الأرض قبيل من العرب يعلن كفره. وقامت الحجة على العالم بالعرب إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة ، كما قامت الحجة في معجزة عيسى بالأطباء ، وفي معجزة موسى بالسحرة فإن الله تعالى إنما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشهير أبرع ما يكون في زمن النبي الذي أراد إظهاره ، فكأن السحر في مدة موسى قد انتهى إلى غايته ، وكذلك الطب في زمن عيسى ، والفصاحة في مدة محمد عليهم الصلاة والسلام.