هما نفثا في فيّ من فمويهما |
|
على النّابح العاوي أشدّ رجام |
وقرأ جمهور الناس «سنلقي» بنون العظمة ، وقرأ أيوب السختياني «سيلقي» بالياء على معنى هو ، وقرأ ابن عامر والكسائي «الرعب» بضم العين حيث وقع ، وقرأ الباقون «الرعب» بسكون العين ، وهذا كقولهم : عنق وعنق وكلاهما حسن فصيح ، وسبب هذه الآية : أنه لما ارتحل أبو سفيان بالكفار بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم علي بن أبي طالب وقال : انظر القوم ، فإن كانوا قد جنبوا الخيل وركبوا الإبل فهم متشمرون إلى مكة ، وإن كانوا على الخيل فهم عائدون إلى المدينة ، فمضى علي فرآهم قد جنبوا الخيل فأخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسر وسر المسلمون ، ثم رجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة فتجهز واتبع المشركين يريهم الجلد ، فبلغ حمراء الأسد وأن أبا سفيان قال له كفار قريش : أحين قتلناهم وهزمناهم ولم يبق إلا الفل والطريد ننصرف عنهم؟ ارجع بنا إليهم حتى نستأصلهم فعزموا على ذلك ، وكان معبد بن أبي معبد الخزاعي قد جاء إلى رسول الله عليهالسلام وهو على كفره ، إلا أن خزاعة كلها كانت تميل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال له : والله يا محمد لقد ساءنا ما أصابك ، ولوددنا أنك لم ترزأ في أصحابك ، فلما سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم والناس بما عزمت عليه قريش من الانصراف ، اشتد ذلك عليهم ، فسخر الله ذلك الرجل معبد بن أبي معبد ، وألقى بسببه الرعب في قلوب الكفار ، وذلك أنه لما سمع الخبر ، ركب حتى لحق بأبي سفيان بالروحاء ، وقريش قد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، فلما رأى أبو سفيان معبدا قال : ما وراءك يا معبد؟ قال : محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط ، يتحرقون عليكم ، قد اجتمع إليه من كان تخلف عنه ، وندموا على ما صنعوا ، قال : ويلك ما تقول؟ قال والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل ، قال : فو الله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم ، قال : فإني أنهاك عن ذلك ، والله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيه شعرا قال وما قلت؟ قال قلت : [البسيط]
كادت تهدّ من الأصوات راحلتي |
|
إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل |
تردي بأسد كرام لا تنابلة |
|
عند اللقاء ولا ميل معازيل |
فظلت عدوا أظنّ الأرض مائلة |
|
لمّا سموا برئيس غير مخذول |
إلى آخر الشعر ، فوقع الرعب في قلوب الكفار ، وقال صفوان بن أمية : لا ترجعوا فإني أرى أنه سيكون للقوم قتال غير الذي كان ، فنزلت هذه الآية في هذا الإلقاء ، وهي بعد متناولة كل كافر ، ويجري معها قول النبي عليهالسلام : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، ويظهر أن هذه الفضيلة إنما أعلم عليهالسلام بها بعد هذه الأحوال كلها حين امتد ظل الإسلام ، قال بعض أهل العلم : إنه لما أمر الله المؤمن بالصبر ، ووعده النصر ، وأخبره أن الرعب ملقى في قلوب الكفار ، نقص الرعب من كل كافر جزءا مع زيادة شجاعة المؤمن ، إذ قد وعد النصر فلذلك كلف المؤمن الوقوف للكافرين ، وقوله تعالى : (بِما أَشْرَكُوا) هذه باء السبب ، والمعنى : أن المشرك بالله نفسه مقسمة في الدنيا وليس له بالله تعالى ثقة ، فهو يكره الموت ويستشعر الرعب منه ، و «السلطان» : الحجة والبرهان ، ثم أخبر تعالى بعاقبة الكفار في الآخرة ،