فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا ، وروى عبد الرزاق وسفيان عن إبراهيم بن يزيد الخوزي عن محمد بن عباد بن جعفر عن ابن عمر قال : قام رجل إلى النبي عليهالسلام ، فقال : ما السبيل؟ قال : الزاد والراحلة.
قال القاضي : وضعّف قوم هذا الحديث ، لأن إبراهيم بن يزيد الخوزي تكلم فيه ابن معين وغيره ، والحديث مستغن عن طريق إبراهيم ، وقال بعض البغداديين : هذا الحديث مشير إلى أن الحج لا يجب مشيا.
قال القاضي : والذي أقول : إن هذا الحديث إنما خرج على الغالب من أحوال الناس وهو البعد عن مكة واستصعاب المشي على القدم كثيرا ، فأما القريب الدار فلا يدخل في الحديث ، لأن القرب أغناه عن زاد وراحلة ، وأما الذي يستطيع المشي من الأقطار البعيدة ، فالراحلة عنده بالمعنى والقوة التي وهب ، وقد ذكره الله تعالى في قوله : (يَأْتُوكَ رِجالاً) [الحج : ٢٧] وكذلك أيضا معنى الحديث : الزاد والراحلة لمن لم يكن له عذر في بدنه ، من مرض أو خوف على أقسامه أو استحقاق بأجرة أو دين وهو يحاول الأداء ويطمع فيه بتصرفه في مال بين يديه ، وأما العديم فله أن يحج إذا تكلف واستطاع ، فمقصد الحديث : أن يتحدد موضع الوجوب على البعيد الدار ، وأما المشاة وأصحاب الأعذار فكثير منهم من يتكلف السفر ، وإن كان الحج غير واجب عليه ، ثم يؤديه ذلك التكلف إلى موضع يجب فيه الحج عليه ، وهذه مبالغة في طلب الأجر ونيله إن شاء الله تعالى ، وذهبت فرقة من العلماء إلى قوله تعالى: (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) كلام عام لا يتفسر بزاد وراحلة ولا غير ذلك ، بل إذا كان مستطيعا غير شاق على نفسه فقد وجب عليه الحج ، قال ذلك ابن الزبير والضحاك ، وقال الحسن : من وجد شيئا يبلغه فقد استطاع إليه سبيلا ، وقال عكرمة : استطاعة السبيل الصحة ، وقال ابن عباس : من ملك ثلاثمائة درهم فهو السبيل إليه ، وقال مالك بن أنس رضي الله عنه ، في سماع أشهب من العتبية ، وفي كتاب محمد ، وقد قيل له : أتقول إن السبيل الزاد والراحلة؟ فقال : لا والله ، قد يجد زادا وراحلة ولا يقدر على مسير ، وآخر يقدر أن يمشي راجلا ، وربّ صغير أجلد من كبير فلا صفة في هذا أبين مما قال الله تعالى.
قال القاضي : وهذا أنبل كلام ، وجميع ما حكي عن العلماء لا يخالف بعضه بعضا ، الزاد والراحلة على الأغلب من أمر الناس في البعد ، وأنهم أصحاء غير مستطيعين للمشي على الأقدام ، والاستطاعة ـ متى تحصلت ـ عامة في ذلك وغيره ، فإذا فرضنا رجلا مستطيعا للسفر ماشيا معتادا لذلك ، وهو ممن يسأل الناس في إقامته ويعيش من خدمتهم وسؤالهم ووجد صحابة ، فالحج عليه واجب دون زاد ولا راحلة ، وهذه من الأمور التي يتصرف فيها فقه الحال ، وكان الشافعي يقول : الاستطاعة على وجهين : بنفسه أولا ، فمن منعه مرض أو عذر وله مال فعليه أن يجعل من يحج عنه وهو مستطيع لذلك.
واختلف الناس هل وجوب الحج على الفور أو على التراخي؟ على قولين ، ولمالك رحمهالله مسائل تقتضي القولين ، قال في المجموعة فيمن أراد الحج ومنعه أبواه : لا يعجل عليهما في حجة الفريضة وليستأذنهما العام والعامين ، فهذا على التراخي ، وقال في كتاب ابن المواز : لا يحج أحد إلا بإذن أبويه إلا