مجاهد : معنى قوله (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) أي تموا على كفرهم وبلغوا الموت به ، فيدخل في هذا القول اليهود والمرتدون ، وقال السدي نحوه ، ثم أخبر تعالى أن توبة هؤلاء لن تقبل ، وقد قررت الشريعة أن توبة كل كافر تقبل ، سواء كفر بعد إيمان وازداد كفرا ، أو كان كافرا من أول أمره ، فلا بد في هذه الآية من تخصيص تحمل عليه ويصح به نفي قبول التوبة فقال الحسن وقتادة ومجاهد والسدي : نفي قبول توبتهم مختص بوقت الحشرجة والغرغرة والمعاينة ، فالمعنى (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) عند المعاينة ، وقال أبو العالية: معنى الآية : لن تقبل توبتهم من تلك الذنوب التي أصابوها مع إقامتهم على الكفر بمحمدصلىاللهعليهوسلم ، فإنهم كانوا يقولون في بعض الأحيان : نحن نتوب من هذه الأفعال ، وهم مقيمون على كفرهم ، فأخبر الله تعالى ، أنه لا يقبل تلك التوبة.
قال الفقيه الإمام : وتحتمل الآية عندي أن تكون إشارة إلى قوم بأعيانهم من المرتدين ختم الله عليهم بالكفر ، وجعل ذلك جزاء لجريمتهم ونكايتهم في الدين ، وهم الذين أشار إليهم بقوله (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً) [آل عمران : ٨٦] فأخبر عنهم أنهم لا تكون لهم توبة فيتصور قبولها ، فتجيء الآية بمنزلة قول الشاعر :
(على لا حب لا يهتدى بمناره)
أي قد جعلهم الله من سخطه في حيز من لا تقبل له توبة إذ ليست لهم ، فهم لا محالة يموتون على الكفر ، ولذلك بيّن حكم الذين يموتون كفارا بعقب الآية ، فبانت منزلة هؤلاء ، فكأنه أخبر عن هؤلاء المعينين ، أنهم يموتون كفارا ، ثم أخبر الناس عن حكم من يموت كافرا و (الضَّالُّونَ) المخطئون الطريق القويم في الأقوال والأفعال ، وقرأ عكرمة : «لن نقبل» بنون العظمة «توبتهم» بنصب التاء.
وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) الآية ، جزم للحكم على كل مواف على الكفر إلى يوم القيامة ، وقرأ عكرمة : «فلن نقبل» بنون العظمة «ملء الأرض» بالنصب ، و «الملء» ما شحن به الوعاء ، فهو بكسر الميم الاسم وبفتحها المصدر ، تقول ملأت الشيء أملؤه ملأ والملء اسم ما ملأت به ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وأبو السمال : «مل» دون همزة ، ورويت عن نافع و (ذَهَباً) نصب على التمييز ، وقرأ ابن أبي عبلة : «ذهبا لو افتدى» به ، دون واو ، واختلف الناس في هذه الآية في قوله (وَلَوِ افْتَدى) فقال الطبري : هي متعلقة بمحذوف في آخر الكلام دل عليه دخول الواو ، كما دخلت في قوله (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [الأنعام : ٧٥] لمتروك من الكلام ، تقديره وليكون من الموقنين أريناه ملكوت السماوات والأرض.
قال الفقيه الإمام : وفي هذا التمثيل نظر فتأمله ، وقال الزجّاج : المعنى : لن يقبل من أحدهم إنفاقه وتقرباته في الدنيا «ولو أنفق ملء الأرض ذهبا ولو افتدى» أيضا به في الآخرة لم يقبل منه ، قال : فأعلم الله أنه لا يثيبهم على أعمالهم من الخير ، ولا يقبل منهم الافتداء من العذاب.
قال الفقيه الإمام أبو محمد : وهذا قول حسن ، وقال قوم : الواو زائدة وهذا قول مردود ، ويحتمل أن