(قالُوا) ، يعني به لفيف بني إسرائيل ، لأنهم كانوا يقولون : نحن أهل الكتاب ، والعرب أميون أصحاب أوثان ، فأموالهم لناحلال متى قدرنا على شيء منها لا حجة علينا في ذلك ولا سبيل لمعترض وناقد إلينا في ذلك ، و «الأميون» القوم الذين لا يكتبون لأنهم لا يحسنون الكتابة ، وقد مر في سورة البقرة اشتقاق اللفظ واستعارة السبيل ، هنا في الحجة هو على نحو قول حميد بن ثور :
وهل أنا إن عللت نفسي بسرحة |
|
من السرح موجود عليّ طريق |
وقوله تعالى : (فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) [الشورى : ٤١] هو من هذا المعنى ، وهو كثير في القرآن وكلام العرب ، وروي أن رجلا قال لابن عباس : إنا نمر في الغزو بأموال أهل الذمة فنأخذ منها الشاة والدجاجة ونحوها قال : وتقولون ماذا؟ قال نقول : ليس علينا بأس ، فقال ابن عباس : هذا كما قال أهل الكتاب : (لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) ، إنهم إذا أدوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم ، وقوله تعالى : (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ذم لبني إسرائيل بأنهم يكذبون على الله تعالى في غير ما شيء ، وهم علماء بمواضع الصدق لو قصدوها ، ومن أخطر ذلك أمر محمد صلىاللهعليهوسلم ، هذا قول جماعة من المتأولين ، وروي عن السدي وابن جريج وغيرهما : أن طائفة من أهل الكتاب ادعت أن في التوراة إحلال الله لهم أموال الأميين كذبا منها وهي عالمة بكذبها في ذلك قالا : والإشارة بهذه الآية إلى ذلك الكذب المخصوص في هذا الفصل.
ثم رد الله تعالى في صدر قولهم ، ليس علينا بقوله (بَلى) أي عليهم سبيل وحجة وتبعة ، ثم أخبر على جهة الشرط أن (مَنْ أَوْفى) بالعهد (وَاتَّقى) عقوبة الله في نقضه ، فإنه محبوب عند الله ، وتقول العرب : وفى بالعهد ، وأوفى به بمعنى ، وأوفى ، هي لغة الحجاز وفسر الطبري وغيره ، على أن الضمير في قوله ، (بِعَهْدِهِ) عائد على الله تعالى ، وقال بعض المفسرين : هو عائد على (مَنْ).
قال الفقيه الإمام أبو محمد : والقولان يرجعان إلى معنى واحد ، لأن أمر الله تعالى بالوفاء مقترن بعهد كل إنسان ، وقال ابن عباس : (اتَّقى) في هذه الآية ، معناه : اتقى الشرك ، ثم خرج جواب الشرط على تعميم المتقين تشريفا للتقوى وحضّا عليها.
وقوله تعالى : (الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ) الآية آية وعيد لمن فعل هذه الأفاعيل إلى يوم القيامة وهي آية يدخل فيها الكفر فما دونه من جحد الحقوق وختر المواثيق ، وكل أحد يأخذ من وعيد الآية على قدر جريمته ، واختلف المفسرون في سبب نزولها ، فقال عكرمة : نزلت في أحبار اليهود ، أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وكعب بن الأشرف وحيي بن أخطب ، تركوا عهد الله في التوراة للمكاسب والرياسة التي كانوا بسبيلها ، وروي أنها نزلت بسبب خصومة الأشعث بن قيس مع رجل من اليهود في أرض فوجبت اليمين على اليهودي فقال الأشعث : إذن يحلف يا رسول الله ويذهب بمالي ، فنزلت الآية ، وروي أن الأشعث بن قيس اختصم في أرض مع رجل من قرابته فوجبت اليمين على الأشعث وكان في الحقيقة مبطلا قد غصب تلك الأرض في جاهليته فنزلت الآية ، فنكل الأشعث عن اليمين ، وتحرج وأعطى الأرض وزاد من عنده أرضا أخرى ، وروي أن الآية نزلت بسبب خصومة لغير الأشعث بن قيس ، وقال الشعبي : نزلت الآية في