الشك ، ونهي النبي عليهالسلام في عبارة اقتضت ذم الممترين ، وهذا يدل على أن المراد بالامتراء غيره ، ولو قيل : فلا تكن ممتريا لكانت هذه الدلالة أقل ، ولو قيل فلا تمتر لكانت أقل ونهي النبي عليهالسلام عن الامتراء مع بعده عنه على جهة التثبيت والدوام على حاله.
وقوله تعالى : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ) معناه جادلك ونازعك الحجة ، والضمير في قوله : (فِيهِ) يحتمل أن يعود على (عِيسى) ، ويحتمل أن يعود على (الْحَقُ) ، والعلم الذي أشير إليه بالمجيء هو ما تضمنته هذه الآيات المتقدمة من أمر عيسى وقوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا) الآية ، استدعاء المباهلة و (تَعالَوْا) تفاعلوا من العلو ، وهي كلمة قصد بها أولا تحسين الأدب مع المدعو ثم اطردت حتى يقولها الإنسان لعدوه وللبهيمة ونحو ذلك و (نَبْتَهِلْ) معناه نلتعن ، ويقال عليهم بهلة الله بمعنى اللعنة ، والابتهال : الجد في الدعاء بالبهلة.
وروي في قصص هذه الآية : أنها نزلت بسبب محاجة نصارى نجران في عيسى عليهالسلام وقولهم هو الله ، وكانوا يكثرون الجدال وقد روى عبد الله بن الحارث بن جزء السوائي عن النبي عليهالسلام أنه قال : ليت بيني وبين أهل نجران حجابا فلا أراهم ولا يروني لشدة ما كانوا يمارون فلما قرأ النبي عليهالسلام الآية دعاهم إلى ذلك ، فروى الشعبي وغيره : أنهم وعدوه بالغد أن يلاعنوه فانطلقوا إلى السيد والعاقب فتابعاهم على أن يلاعنوا فانطلقوا إلى رجل آخر منهم عاقل فذكروا له ما صنعوا فذمهم وقال لهم : إن كان نبيا ثم دعا عليكم هلكتم ، وإن كان ملكا فظهر لم يبق عليكم ، قالوا فكيف نصنع وقد واعدناه؟ قال : إذا غدوتم فدعاكم إلى ذلك فاستعيذوا بالله من ذلك فعسى أن يعفيكم فلما كان الغد غدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم محتضنا حسينا آخذا بيد الحسن ، وفاطمة تمشي خلفه ، فدعاهم إلى الميعاد ، فقالوا : نعوذ بالله فأعادوا التعوذ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : فإن أبيتم فأسلموا فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون فإن أبيتم فإني أنبذ إليكم على سواء ، قالوا : لا طاقة لنا بحرب العرب ولكنا نؤدي الجزية قال : فجعل عليهم كل سنة ألفي حلة ألفا في رجب وألفا في صفر وطلبوا منه رجلا أمينا يحكم بينهم فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح وقال عليهالسلام : لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران لو تموا على الملاعنة ، وروى محمد بن جعفر بن الزبير وغيره أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما دعاهم قالوا : دعنا ننظر في أمرنا ثم نأتيك بما نفعل فذهبوا إلى العاقب وهو ذو رأيهم فقالوا : يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال : يا معشر النصارى ، والله لقد عرفتم أن محمدا لنبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ولقد علمتم ما لا عن قوم قط نبيا فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم وإنه الاستئصال إن فعلتم ، فإن أبيتم إلا إلف دينكم وما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم حتى يريكم زمن رأيه ، فأتوا النبي عليهالسلام ، فقالوا : يا أبا القاسم قد رأينا ألا نلاعنك وأن نبقى على ديننا وصالحوه على أموال وقالوا له : ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا يحكم في أشياء قد اختلفنا فيها من أموالنا فإنكم عندنا رضى ، وروى السدي وغيره أن النبي عليهالسلام جاء هو وعلي وفاطمة والحسن والحسين ودعاهم فأبوا وجزعوا وقال لهم أحبارهم : إن فعلتم اضطرم الوادي عليكم نارا فصالحوا النبي عليهالسلام على ثمانين ألف درهم في العام فما عجزت عنه الدراهم ففي العروض ، الحلة بأربعين وعلى أن عليهم ثلاثا وثلاثين درعا وثلاثة