واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى : (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) الآية ، فقال الحسن : معناه تخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ، وروي نحوه عن سلمان الفارسي ، وروى الزهري أن النبيصلىاللهعليهوسلم دخل على بعض أزواجه فإذا بامرأة حسنة النغمة فقال : من هذه؟ قالت إحدى خالاتك فقال: إن خالاتي بهذه البلدة لغرائب ، أي خالاتي هي؟ قالت : خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث فقال النبيعليهالسلام : سبحان الذي يخرج الحي من الميت ، وكانت امرأة صالحة وكان أبوها كافرا وهو أحد المستهزئين الذين كفيهم النبي عليهالسلام.
قال أبو محمد : فالمراد على هذا القول موت قلب الكافر وحياة قلب المؤمن والحياة والموت مستعاران ، وذهب جمهور كثير من العلماء إلى أن الحياة والموت في الآية إنما هو الحياة حقيقة والموت حقيقة لا باستعارة ، ثم اختلفوا في المثل التي فسروا بها فقال عكرمة : هو إخراج الدجاجة وهي حية من البيضة وهي ميتة وإخراج البيضة وهي ميتة من الدجاجة وهي حية ولفظ الإخراج في هذا المثال وما ناسبه لفظ متمكن على عرف استعماله ، وقال عبد الله بن مسعود في تفسير الآية : هي النطفة تخرج من الرجل وهي ميتة وهو حي ويخرج الرجل منها وهي ميتة.
قال القاضي أبو محمد : ولفظ الإخراج في تنقل النطفة حتى تكون رجلا إنما هو عبارة عن تغير الحال كما تقول في صبي جيد البنية : يخرج من هذا رجل قوي ، وهذا المعنى يسميه ابن جني : التجريد أي تجرد الشيء من حال إلى حال هو خروج. وقد يحتمل قوله تعالى : (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) أن يراد به أن الحيوان كله يميته فهذا هو معنى التجريد بعينه وأنشد ابن جني على ذلك :
أفاءت بنو مروان ظلما دماءنا |
|
وفي الله ـ إن لم ينصفوا ـ حكم عدل |
وروى السدي عن أبي مالك قال في تفسير الآية : هي الحبة تخرج من السنبلة والسنبلة تخرج من الحبة ، والنواة تخرج من النخلة والنخلة تخرج من النواة والحياة في النخلة والسنبلة تشبيه ، وقوله تعالى : (بِغَيْرِ حِسابٍ) قيل معناه بغير حساب منك لأنه تعالى لا يخاف أن تنتقص خزائنه ، هذا قول الربيع وغيره ، وقيل معنى (بِغَيْرِ حِسابٍ) أي من أحد لك ، لأنه تعالى لا معقب لأمره ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «الميت» بسكون الياء في جميع القرآن. وروى حفص عن عاصم «من الميّت» بتشديد الياء ، وقرأ نافع وحمزة والكسائي «الميّت» بتشديد الياء في هذه الآية ، وفي قوله : (لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) [الأعراف : ٥٧] و (إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) [فاطر : ٩] وخفف حمزة والكسائي غير هذه الحروف ، قال أبو علي : (الْمَيِّتِ) هو الأصل والواو التي هي عين منه انقلبت ياء لإدغام الياء فيها وميت التخفيف محذوف منه عينه أعلت بالحذف كما أعلت بالقلب ، والحذف حسن والإتمام حسن وما مات وما لم يمت في هذا الباب يستويان في الاستعمال.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وذهب قوم إلى أن «الميت» بالتخفيف إنما يستعمل فيما قد مات ، وأما «الميّت» بالتشديد فيستعمل فيما مات وفيما لم يمت بعد.