جزم جوابا للشرط ، كأنه قال : وإن تخفوها يكن أعظم لأجركم ، ثم عطفه على هذا الموضع كما جاء قراءة من قرأ : من يضلل الله فلا هادي له ونذرهم [الأعراف : ١٨٦] بجزم الراء وأمثلة هذا كثيرة ، وأما نصب الراء فعلى تقدير «إن» وتأمل ، وقال المهدوي هو مشبه بالنصب في جواب الاستفهام ، إذ الجزاء يجب به الشيء لوجوب غيره كالاستفهام. والجزم في الراء أفصح هذه القراءات ، لأنها تؤذن بدخول التكفير في الجزاء وكونه مشروطا إن وقع الإخفاء. وأما رفع الراء فليس فيه هذا المعنى ، و (مِنْ) في قوله: (مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) للتبعيض المحض ، والمعنى في ذلك متمكن ، وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت: (مِنْ) زائدة في هذا الموضع وذلك منهم خطأ ، وقوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وعد ووعيد.
قوله عزوجل :
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (٢٧٢)
روي عن سعيد بن جبير في سبب هذه الآية أن المسلمين كانوا يتصدقون على فقراء أهل الذمة فلما كثر فقراء المسلمين قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا تتصدقوا إلا على أهل دينكم ، فنزلت هذه الآية مبيحة للصدقة على من ليس من دين الإسلام ، وذكر النقاش أن النبي عليهالسلام أتى بصدقات فجاءه يهودي فقال : أعطني ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ليس لك في صدقة المسلمين من شيء» ، فذهب اليهودي غير بعيد فنزلت الآية ، (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) فدعاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأعطاه ، ثم نسخ الله ذلك بآية (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ) [التوبة : ٦٠] وروي عن ابن عباس أنه كان ناس من الأنصار لهم قرابات في بني قريظة والنضير ، وكانوا لا يتصدقون عليهم رغبة منهم في أن يسلموا إذا احتاجوا ، فنزلت الآية بسبب ذلك ، وحكى بعض المفسرين أن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أرادت أن تصل جدها أبا قحافة ، ثم امتنعت من ذلك لكونه كافرا ، فنزلت الآية في ذلك ، وذكر الطبري أن مقصد النبي صلىاللهعليهوسلم بمنع الصدقة إنما كان ليسلموا ويدخلوا في الدين ، فقال الله : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) قال أبو محمد : وهذه الصدقة التي أبيحت عليهم حسبما تضمنته هذه الآثار إنما هي صدقة التطوع. وأما المفروضة فلا يجزي دفعها لكافر ، وهذا الحكم متصور للمسلمين اليوم مع أهل ذمتهم ومع المسترقين من الحربيين. قال ابن المنذر أجمع من أحفظ عنه من أهل العلم أن الذمي لا يعطى من زكاة الأموال شيئا ، ثم ذكر جماعة ممن نص على ذلك ، ولم يذكر خلافا ، وقال المهدوي رخص للمسلمين أن يعطوا المشركين من قراباتهم من صدقة الفريضة بهذه الآية.
قال القاضي أبو محمد : وهذا مردود عندي ، والهدى الذي ليس على محمدصلىاللهعليهوسلم هو خلق الإيمان في قلوبهم ، وأما الهدى الذي هو الدعاء فهو عليه ، وليس بمراد في هذه الآية ، ثم أخبر تعالى أنه هو : (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أي يرشده ، وفي هذا رد على القدرية وطوائف المعتزلة ، ثم أخبر أن نفقة المرء