الاغتسال بالماء ، وقال ابن عباس والأوزاعي : من فعله تصدق بنصف دينار ، ومن وطئ في الدم تصدق بدينار ، وأسند أبو داود عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال : «يتصدق بدينار أو بنصف دينار» ، وقال ابن عباس : «الدينار في الدم ، والنصف عند انقضائه» ، ووردت في الشدة في هذا الفعل آثار ، وجمهور العلماء على أنه ذنب عظيم يتاب منه ولا كفارة فيه بمال ، وذهب مالك رحمهالله وجمهور العلماء إلى أن الطهر الذي يحل جماع الحائض التي يذهب عنها الدم هو تطهرها بالماء كطهور الجنب ، ولا يجزي من ذلك تيمم ولا غيره ، وقال يحيى بن بكير وابن القرظي : إذا طهرت الحائض وتيممت حيث لا ماء حلّت لزوجها وإن لم تغتسل. وقال مجاهد وعكرمة وطاوس : انقطاع الدم يحلها لزوجها ولكن بأن تتوضأ. و (حَتَّى) غاية لا غير ، و (تَقْرَبُوهُنَ) يريد بجماع ، وهذا من سد الذرائع ، وقوله تعالى : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) الآية ، القراءة (تَطَهَّرْنَ) بتاء مفتوحة وهاء مشددة ، والخلاف في معناه كما تقدم من التطهير بالماء أو انقطاع الدم. ومجاهد وجماعة من العلماء يقولون هنا : إنه أريد الغسل بالماء ، ولا بد بقرينة الأمر بالإتيان وإن كان قربهن قبل الغسل مباحا ، لكن لا تقع صيغة الأمر من الله تعالى إلا على الوجه الأكمل ، و (فَأْتُوهُنَ) إباحة ، والمعنى (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) باعتزالهن وهو الفرج أو من السرة إلى الركبتين. أو جميع الجسد ، حسبما تقدم. هذا كله قول واحد ، وقال ابن عباس وأبو رزين : المعنى من قبل الطهر لا من قبل الحيض ، وقاله الضحاك. وقال محمد بن الحنفية : المعنى من قبل الحلال لا من قبل الزنا ، وقيل : المعنى من قبل حال الإباحة ، لا صائمات ولا محرمات ولا غير ذلك. والتوابون : الراجعون ، وعرفه من الشر إلى الخير ، والمتطهرون : قال عطاء وغيره : المعنى بالماء ، وقال مجاهد وغيره : المعنى من الذنوب ، وقال أيضا مجاهد : المعنى من إتيان النساء في أدبارهن.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : كأنه نظر إلى قوله تعالى حكاية عن قوم لوط (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) [الأعراف : ٨٢] ، وقرأ طلحة بن مصرف «المطّهّرين» بشد الطاء والهاء.
وقوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) الآية ، قال جابر بن عبد الله والربيع : سببها أن اليهود قالت : إن الرجل إذا أتى المرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول ، وعابت على العرب ذلك ، فنزلت الآية تتضمن الرد على قولهم ، وقالت أم سلمة وغيرها : سببها أن قريشا كانوا يأتون النساء في الفرج على هيئات مختلفة ، فلما قدموا المدينة وتزوجوا أنصاريات أرادوا ذلك ، فلم ترده نساء المدينة إذ لم تكن عادة رجالهم إلا الإتيان على هيئة واحدة وهي الانبطاح ، فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم ، وانتشر كلام الناس في ذلك ، فنزلت الآية مبيحة الهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث ، و (حَرْثٌ) تشبيه ، لأنهنّ مزدرع الذرية ، فلفظة «الحرث» تعطي أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة ، إذ هو المزدرع ، وقوله (أَنَّى شِئْتُمْ) معناه عند جمهور العلماء من صحابة وتابعين وائمة : من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة وعلى جنب ، و (أَنَّى) إنما تجيء سؤالا أو إخبارا عن أمر له جهات ، فهي أعم في اللغة من كيف ومن أين ومن متى ، هذا هو الاستعمال العربي ، وقد فسر الناس (أَنَّى) في هذه الآية بهذه الألفاظ. وفسرها سيبويه ب «كيف» ومن أين باجتماعهما ، وذهبت فرقة ممن فسرها ب «أين» إلى أن الوطء في الدبر جائز ، روي ذلك عن عبد الله بن عمر ، وروي عنه خلافه وتكفير من فعله ، وهذا هو اللائق به ، ورويت الإباحة أيضا