وقال النقاش : «هو ضباب أبيض» ، وفي قراءة ابن مسعود «إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام» ، و (قُضِيَ الْأَمْرُ) معناه وقع الجزاء وعذب أهل العصيان ، وقرأ معاذ بن جبل «وقضاء الأمر» ، وقرأ يحيى بن يعمر «وقضى الأمور» بالجمع ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي «ترجع» على بناء الفعل للفاعل ، وقرأ الباقون «ترجع» على بنائه للمفعول ، وهي راجعة إليه تعالى قبل وبعد ، وإنما نبه بذكر ذلك في يوم القيامة على زوال ما كان منها إلى الملوك في الدنيا.
وقوله تعالى : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) الآية ، الخطاب لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وفيه إباحة السؤال لمن شاء من أمته ، ومعنى الآية توبيخهم على عنادهم بعد الآيات البينة. وقرأ أبو عمرو في رواية عباس عنه «اسأل» على الأصل ، وقرأ قوم «أسل» على نقل الحركة إلى السين وترك الاعتداد بذلك في إبقاء ألف الوصل على لغة من قال الحمر ، ومن قرأ «سل» فإنه أزال ألف الوصل حين نقل واستغنى عنها. و (كَمْ) في موضع نصب إما بفعل مضمر بعدها لأن لها صدر الكلام ، تقديره كم آتينا آتيناهم ، وإما ب (آتَيْناهُمْ). وقوله : (مِنْ آيَةٍ) هو على التقدير الأول مفعول ثان ل (آتَيْناهُمْ) ، وعلى الثاني في موضع التمييز. ويصح أن تكون (كَمْ) في موضع رفع بالابتداء والخبر في (آتَيْناهُمْ). ويصير فيه عائد على (كَمْ) تقديره كم آتيناهموه ، والمراد بالآية : كم جاءهم في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم من آية معرفة به دالة عليه ، و (نِعْمَةَ اللهِ) لفظ عام لجميع أنعامه ، ولكن يقوي من حال النبي معهم أن المشار إليه هنا محمد صلىاللهعليهوسلم ، فالمعنى : ومن يبدل من بني إسرائيل صفة نعمة الله ، ثم جاء اللفظ منسحبا على كل مبدل نعمة لله تعالى.
وقال الطبري : «النعمة هنا الإسلام» ، وهذا قريب من الأول ، ويدخل في اللفظ أيضا كفار قريش الذين بعث محمد منهم نعمة عليهم ، فبدلوا قبولها والشكر عليها كفرا ، والتوراة أيضا نعمة على بني إسرائيل أرشدتهم وهدتهم ، فبدلوها بالتحريف لها وجحد أمر محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) خبر يقتضي ويتضمن الوعيد ، و (الْعِقابِ) مأخوذ من العقب ، كأن المعاقب يمشي بالمجازاة له في آثار عقبه ، ومنه عقبة الراكب وعقبة القدر.
وقوله تعالى : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) المزين هو خالقها ومخترعها وخالق الكفر ، ويزينها أيضا الشيطان بوسوسته وإغوائه ، وقرأ مجاهد وحميد بن قيس وأبو حيوة «زين» على بناء الفعل للفاعل ونصب «الحياة» ، وقرأ ابن أبي عبلة «زينت» بإظهار العلامة ، والقراءة دون علامة هي للحائل ولكون التأنيث غير حقيقي ، وخص الذين كفروا الذكر لقبولهم التزيين جملة وإقبالهم على الدنيا وإعراضهم عن الآخرة سببها ، والتزيين من الله تعالى واقع للكل ، وقد جعل الله ما على الأرض زينة لها ليبلو الخلق أيهم أحسن عملا ، فالمؤمنون الذين هم على سنن الشرع لم تفتنهم الزينة ، والكفار تملكتهم لأنهم لا يعتقدون غيرها ، وقد قال أبوبكر الصديق رضي الله عنه حين قدم عليه بالمال : «اللهم إنّا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا».
وقوله تعالى : (وَيَسْخَرُونَ) إشارة إلى كفار قريش لأنهم كانوا يعظمون حالهم من الدنيا ويغتبطون بها ويسخرون من أتباع النبي صلىاللهعليهوسلم كبلال وصهيب وابن مسعود وغيرهم ، فذكر الله قبيح فعلهم ونبه على خفض منزلتهم بقوله : (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، ومعنى الفوق هنا في الدرجة