و (تَوَلَّى) و (سَعى) تحتمل جميعا معنيين : أحدهما أن تكون فعل قلب فيجيء (تَوَلَّى) بمعنى ضل وغضب وأنف في نفسه فسعى بحيله وإرادته الدوائر على الإسلام ، ومن هذا السعي قول الله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩] ، ومنه (وَسَعى لَها سَعْيَها) [الإسراء : ١٩]. ومنه قول الشاعر :
[الرجز]
أسعى على حيّ بني مالك |
|
كل امرئ في شأنه ساع |
ونحا هذا المنحى في معنى الآية ابن جريج وغيره ، والمعنى الثاني أن يكونا فعل شخص فيجيء (تَوَلَّى) بمعنى أدبر ونهض عنك يا محمد ، و (سَعى) يجيء معناها بقدميه فقطع الطريق وأفسدها ، نحا هذا المنحى ابن عباس وغيره ، وكلا السعيين فساد.
وقوله تعالى : (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ).
قال الطبري : «المراد الأخنس في إحراقه الزرع وقتله الحمر».
وقال مجاهد : «المراد أن الظالم يفسد في الأرض فيمسك الله المطر فيهلك الحرث والنسل» ، وقيل : المراد أن المفسد يقتل الناس فينقطع عمار الزرع والمنسلون».
وقال الزجّاج : «يحتمل أن يراد بالحرث النساء وبالنسل نسلهن».
قال القاضي أبو محمد : والظاهر أن الآية عبارة عن مبالغة في الإفساد ، إذ كل فساد في أمور الدنيا ، فعلى هذين الفصلين يدور ، وأكثر القراء على (يُهْلِكَ) بضم الياء وكسر اللام وفتح الكاف عطفا على (لِيُفْسِدَ) ، وفي مصحف أبي بن كعب «وليهلك» ، وقرأ قوم «ويهلك» بضم الكاف ، إما عطفا على (يُعْجِبُكَ) وإما على (سَعى) ، لأنها بمعنى الاستقبال ، وإما على القطع والاستئناف ، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وأبو حيوة وابن محيصن «ويهلك» بفتح الياء وكسر اللام وضم الكاف ورفع «الحرث» و «النسل» ، وكذلك رواه ابن سلمة عن ابن كثير وعبد الوارث عن أبي عمرو ، وحكى المهدوي أن الذي روى حماد بن سلمة عن ابن كثير إنما هو «ويهلك» بضم الياء والكاف «الحرث» بالنصب ، وقرأ قوم «ويهلك» بفتح الياء واللام ورفع «الحرث» وهي لغة هلك يهلك ، تلحق بالشواذ كركن يركن ، و (الْحَرْثَ) في اللغة شق الأرض للزراعة ، ويسمى الزرع حرثا للمجاورة والتناسب ، ويدخل سائر الشجر والغراسات في ذلك حملا على الزرع ، ومنه قول عزوجل (إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ) [الأنبياء : ٧٨] ، وهو كرم على ما ورد في التفاسير ، وسمي النساء حرثا على التشبيه ، و (النَّسْلَ) مأخوذ من نسل ينسل إذا خرج متتابعا ، ومنه نسال الطائر ما تتابع سقوطه من ريشه ، ومنه قوله تعالى : (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) [الأنبياء : ٩٦] ، ومنه قول امرئ القيس: [الطويل]
فسلّي ثيابي من ثيابك تنسل
و (لا يُحِبُ) معناه لا يحبه من أهل الصلاح ، أي لا يحبه دينا ، وإلا فلا يقع إلا ما يحب الله تعالى وقوعه ، والفساد واقع ، وهذا على ما ذهب إليه المتكلمون من أن الحب بمعنى الإرادة.