يشهد الشهر بصفة يجب بها الصيام ، ومن جن أول الشهر أو آخره فإنه يقضي أيام جنونه ، ونصب (الشَّهْرَ) على هذا التأويل هو على المفعول الصريح ب (شَهِدَ) ، وقوله تعالى : (أَوْ عَلى سَفَرٍ) بمنزلة أو مسافرا فلذلك عطف على اسم ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع ويحيى بن وثاب وابن هرمز وعيسى بن عمر «اليسر» و «العسر» بضم السين ، والجمهور : بسكونه ، وقال مجاهد والضحاك بن مزاحم : اليسر الفطر في السفر و (الْعُسْرَ) الصوم في السفر ، والوجه عموم اللفظ في جميع أمور الدين ، وقد فسر ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم «دين الله يسر».
وقوله تعالى : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) معناه وليكمل من أفطر في سفره أو في مرضه عدة الأيام التي أفطر فيها ، وقرأ أبو بكر عن عاصم وأبو عمرو في بعض ما روي عنه «ولتكمّلوا» بتشديد الميم ، وقد روي عنهما التخفيف كالجماعة ، وهذه اللام متعلقة إما ب (يُرِيدُ) فهي اللام الداخلة على المفعول ، كالذي في قولك ضربت لزيد ، المعنى ويريد إكمال العدة وهي مع الفعل مقدرة بأن ، كأن الكلام : ويريد لأن تكملوا ، هذا قول البصريين ، ونحوه قول قيس كثير بن صخر : [الطويل]
أريد لأنسى ذكرها
وإما بفعل مضمر بعد ، تقديره ولأن تكملوا العدة رخص لكم هذه الرخصة ، وهذا قول بعض الكوفيين ، ويحتمل أن تكون هذه اللام لام الأمر والواو عاطفة جملة كلام على جملة كلام.
وقوله : (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ) حض على التكبير في آخر رمضان ، واختلف الناس في حده ، فقال ابن عباس : «يكبر المرء من رؤية الهلال إلى انقضاء الخطبة ، ويمسك وقت خروج الإمام ويكبر بتكبيره» ، وقال قوم : يكبر من رؤية الهلال إلى خروج الإمام إلى الصلاة ، وقال سفيان : «هو التكبير يوم الفطر» ، وقال مالك : «هو من حين يخرج الرجل من منزله إلى أن يخرج الإمام» ، ولفظه عند مالك وجماعة من العلماء : «الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر» ، ثلاثا ، ومن العلماء من يكبر ثم يهلل ويسبح أثناء التكبير ، ومنهم من يقول : «الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا». وقد قيل غير هذا ، والجميع حسن واسع مع البدأة بالتكبير.
و (هَداكُمْ) ، وقيل المراد لما ضل فيه النصارى من تبديل صيامهم ، وتعميم الهدى جيد ، و (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ترجّ في حق البشر ، أي على نعمة الله في الهدى.
وقوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي) الآية ، قال الحسن بن أبي الحسن : سببها أن قوما قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فنزلت ، وقال عطاء : لما نزلت (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر : ٦٠] قال قوم في أي ساعة ندعو؟ فنزلت (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي) ، وقال مجاهد : بل قالوا إلى أين ندعو فنزلت هذه الآية ، وقال قتادة بل قالوا : كيف ندعو؟ فنزلت (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي) ، روي أن المشركين قالوا لما نزل (فَإِنِّي قَرِيبٌ) : كيف يكون قريبا وبيننا وبينه على قولك سبع سماوات في غلظ سمك كل واحدة خمسمائة عام وفيما بين كل سماء مثل ذلك؟ فنزلت : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) أي فإني قريب بالإجابة والقدرة ، وقال قوم : المعنى أجيب إن شئت ، وقال قوم :