فدع ذا وسلّ الهمّ عنك بجسرة |
|
ذمول إذا صام النّهار وهجّرا |
أي وقفت الشمس عن الانتقال وثبتت ، والصيام في الشرع إمساك عن الطعام والشراب مقترنة به قرائن من مراعاة أوقات وغير ذلك ، فهو من مجمل القرآن في قول الحذاق ، والكاف من قوله (كَما) في موضع نصب على النعت ، تقديره كتبا كما ، أو صوما كما ، أو على الحال كأن الكلام : كتب عليكم الصيام مشبها ما كتب على الذين من قبلكم.
وقال بعض النحاة : الكاف في موضع رفع على النعت للصيام إذ ليس تعريفه بمحض لمكان الإجمال الذي فيه مما فسرته الشريعة فلذلك جاز نعته ب (كَما) إذ لا تنعت بها إلا النكرات فهو بمنزلة كتب عليكم صيام ، وقد ضعف هذا القول.
واختلف المتأولون في موضع التشبيه ، فقال الشعبي وغيره : المعنى كتب عليكم رمضان كما كتب على النصارى ، قال : «فإنه كتب عليهم رمضان فبدلوه لأنهم احتاطوا له بزيادة يوم في أوله ويوم في آخره قرنا بعد قرن حتى بلغوه خمسين يوما ، فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى الفصل الشمسي».
قال النقاش : «وفي ذلك حديث عن دغفل بن حنظلة والحسن البصري والسدي» ، وقيل : بل مرض ملك من ملوكهم فنذر إن برىء أن يزيد فيه عشرة أيام ، ثم آخر سبعة ، ثم آخر ثلاثة ، ورأوا أن الزيادة فيه حسنة بإزاء الخطأ في نقله.
وقال السدي والربيع : التشبيه هو أن من الإفطار إلى مثله لا يأكل ولا يشرب ولا يطأ ، فإذا حان الإفطار فلا يفعل هذه الأشياء من نام ، وكذلك كان في النصارى أولا ، وكان في أول الإسلام ، ثم نسخه الله بسبب عمر وقيس بن صرمة بما يأتي من الآيات في ذلك.
وقال عطاء : «التشبيه كتب عليكم الصيام ثلاثة أيام من كل شهر ـ قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وفي بعض الطرق : ويوم عاشوراء ـ كما كتب على الذين من قبلكم ثلاثة أيام من كل شهر ويوم عاشوراء ، ثم نسخ هذا في هذه الأمة بشهر رمضان».
وقالت فرقة : التشبيه كتب عليكم كصيام بالإطلاق ، أي قد تقدم في شرع غيركم ، ف (الَّذِينَ) عام في النصارى وغيرهم ، و (لَعَلَّكُمْ) ترجّ في حقهم ، و (تَتَّقُونَ) قال السدي : معناه تتقون الأكل والشرب والوطء بعد النوم على قول من تأول ذلك ، وقيل : تتقون على العموم ، لأن الصيام كما قال عليهالسلام : «جنة» ووجاء وسبب تقوى ، لأنه يميت الشهوات.
و (أَيَّاماً) مفعول ثان ب (كُتِبَ) ، قاله الفراء ، وقيل : هي نصب على الظرف ، وقيل : نصبها ب (الصِّيامُ) ، وهذا لا يحسن إلا على أن يعمل الصيام في الكاف من (كَما) على قول من قدر : صوما كما ، وإذا لم يعمل في الكاف قبح الفصل بين المصدر وبين ما عمل فيه بما عمل فيه غيره ، وذلك إذا كان العامل في الكاف (كُتِبَ) ، وجوز بعضهم أن يكون (أَيَّاماً) ظرفا يعمل فيه (الصِّيامُ) ، و (مَعْدُوداتٍ) ، قيل : رمضان ، وقيل : الثلاثة الأيام.