وقوله تعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ) الآية : قرأ أكثر السبعة برفع الراء ، و «البرّ» اسم ليس ، قال أبو علي : «ليس بمنزلة الفعل فالوجه أن يليها الفاعل ثم المفعول».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : مذهب أبي علي أن (لَيْسَ) حرف ، والصواب الذي عليه الجمهور أنها فعل ، وقرأ حمزة وعاصم في رواية حفص «ليس البرّ» بنصب الراء ، جعل (أَنْ تُوَلُّوا) بمنزلة المضمر ، إذ لا يوصف كما لا يوصف المضمر ، والمضمر أولى أن يكون اسما يخبر عنه ، وفي مصحف أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود ليس البرّ بأن تولوا ، وقال الأعمش : إن في مصحف عبد الله : لا تحسبن البر ، وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : الخطاب بهذه الآية للمؤمنين ، فالمعنى ليس البر الصلاة وحدها ، وقال قتادة والربيع : الخطاب لليهود والنصارى لأنهم اختلفوا في التوجه والتولي ، فاليهود إلى بيت المقدس والنصارى إلى مطلع الشمس ، وتكلموا في تحويل القبلة وفضلت كل فرقة توليها ، فقيل لهم ليس البر ما أنتم فيه ولكن البر من آمن بالله. قرأ قوم «ولكنّ البرّ» بشد النون ونصب البر ، وقرأ الجمهور «ولكن البر» والتقدير ولكن البر بر من ، وقيل : التقدير ولكن ذو البر من ، وقيل : (الْبِرَّ) بمنزلة اسم الفاعل تقديره ولكن البار من ، والمصدر إذا أنزل منزلة اسم الفاعل فهو ولا بد محمول على حذف مضاف ، كقولك رجل عدل ورضى.
والإيمان التصديق ، أي صدق بالله تعالى وبهذه الأمور كلها حسب مخبرات الشرائع.
وقوله تعالى : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) الآية ، هذه كلها حقوق في المال سوى الزكاة ، وبها كمال البر ، وقيل هي الزكاة ، و (آتَى) معناه أعطى ، والضمير في (حُبِّهِ) عائد على (الْمالَ) فالمصدر مضاف إلى المفعول ، ويجيء قوله (عَلى حُبِّهِ) اعتراضا بليغا أثناء القول ، ويحتمل أن يعود الضمير على الإيتاء أي في وقت حاجة من الناس وفاقة ، وفإيتاء المال حبيب إليهم ، ويحتمل أن يعود الضمير على اسم الله تعالى من قوله : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ) أي من تصدق محبة في الله تعالى وطاعاته ، ويحتمل أن يعود على الضمير المستكن في (آتَى) أي على حبه المال ، فالمصدر مضاف إلى الفاعل ، والمعنى المقصود : أن يتصدق المرء في هذه الوجوه وهو شحيح صحيح يخشى الفقر ويأمل الغنى ، كما قال صلىاللهعليهوسلم.
قال القاضي أبو محمد : والشح في هذا الحديث هو الغريزي الذي في قوله تعالى : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) [النساء : ١٢٨] ، وليس المعنى أن يكون المتصدق متصفا بالشح الذي هو البخل ، و (ذَوِي الْقُرْبى) يراد به قرابة النسب.
واليتم في الآدميين من قبل الأب قبل البلوغ ، وقال مجاهد وغيره : (ابْنَ السَّبِيلِ) المسافر لملازمته السبيل.
قال القاضي أبو محمد : وهذا كما يقال ابن ماء للطائر الملازم للماء ، ومنه قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا يدخل الجنة ابن زنى» أي الملازم له ، وقيل : لما كانت السبيل تبرزه شبه ذلك بالولادة فنسب إليها ، وقال قتادة : (ابْنَ السَّبِيلِ) الضيف ، والأول أعم ، و (فِي الرِّقابِ) : يراد به العتق وفك الأسرى وإعطاء أواخر الكتابات ، و (أَقامَ الصَّلاةَ) أتمها بشروطها ، وذكر الزكاة هنا دليل على أن ما تقدم ليس