وأياديّ ، وانحذفت نون الجماعة للجزم ، وهذه نون المتكلم ، وحذفت الياء التي بعدها تخفيفا لأنها رأس آية ، ولو كان نهيا عن الكفر ضد الإيمان لكان : ولا تكفروا ، بغير النون.
و (يا) حرف نداء و «أيّ» منادى و «ها» تنبيه ، وتجلب «أي» فيما فيه الألف واللام لأن في حرف النداء تعريفا ما ، فلو لم تجلب «أي» لاجتمع تعريفان ، وقال قوم : «الصبر» : الصوم ، ومنه قيل لرمضان : شهر الصبر ، وتقدم معنى الاستعانة بالصبر والصلاة ، واختصاره أنهما رادعان عن المعاصي.
وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِين) معناه بمعونته وإنجاده ، فهو على حذف مضاف ، كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لحسان بن ثابت : «اهجهم وروح القدس معك» ، وكما قال : «ارموا وأنا مع بني فلان» ، الحديث.
وقوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ) الآية ، سببها أن الناس قالوا فيمن قتل ببدر وأحد مات فلان ومات فلان ، فكره الله أن تحط منزلة الشهداء إلى منزلة غيرهم ، فنزلت هذه الآية ، وأيضا : فإن المؤمنين صعب عليهم فراق إخوانهم وقراباتهم فنزلت الآية مسلية لهم ، تعظم منزلة الشهداء ، وتخبر عن حقيقة حالهم ، فصاروا مغبوطين لا محزونا لهم ، ويبين ذلك من حديث أم حارثة في السير ، والفرق بين الشهيد وغيره إنما هو الرزق ، وذلك أن الله تعالى فضلهم بدوام حالهم التي كانت في الدنيا فرزقهم.
وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم في ذلك أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق من ثمر الجنة ، وروي أنهم في قبة خضراء ، وروي أنهم في قناديل من ذهب ، إلى كثير من هذا ، ولا محالة أنها أحوال لطوائف أو للجميع في أوقات متغايرة ، وجمهور العلماء على أنهم في الجنة ، ويؤيده قول النبي صلىاللهعليهوسلم لأم حارثة : إنه في الفردوس ، وقال مجاهد : هم خارج الجنة ويعلقون من شجرها ، و (أَمْواتٌ) رفع بإضمار الابتداء والتقدير هم أموات ، ولا يجوز إعمال القول فيه لأنه ليس بينه وبينه تناسب كما يصح في قولك قلت كلاما وحجة.
وقوله (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) أي قبل أن نشعركم.
وقوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) الآية ، أمر تعالى بالاستعانة بالصبر وأخبر أنه مع الصابرين ، ثم اقتضت الآية بعدها من فضل الشهداء ما يقوي الصبر عليهم ويخفف المصيبة ، ثم جاء بعد ذلك من هذه الأمور التي لا تتلقى إلا بالصبر أشياء تعلم أن الدنيا دار بلاء ومحن ، أي فلا تنكروا فراق الإخوان والقرابة ، ثم وعد الصابرين أجرا ، وقال عطاء والجمهور : إن الخطاب في هذه الآية لأمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : الخطاب لقريش وحل ذلك بهم فهي آية للنبي صلىاللهعليهوسلم.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : والأول أظهر ، (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ) معناه لنمتحننكم ، وحركت الواو لالتقاء الساكنين ، وقيل : الفعل مبني وهو مع النون الثقيلة بمنزلة خمسة عشر ، و (الْخَوْفِ) يعني من الأعداء في الحروب ، و (الْجُوعِ) الجدب والسنة ، وأما الحاجة إلى الأكل فإنما اسمها الغرث ، وقد استعمل فيه المحدثون الجوع اتساعا ، ونقص الأموال : بالجوائح والمصائب ،