رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأمته حيال ميزاب الكعبة ، وقال ابن عباس وغيره : بل وجه إلى البيت كله.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : والميزاب هو قبلة المدينة والشام ، وهنالك قبلة أهل الأندلس بلا ريب ، ولا خلاف أن الكعبة قبلة من كل أفق ، وقوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ) الآية ، أمر بالتحول ونسخ لقبلة الشام ، وقيل : نزل ذلك على النبي صلىاللهعليهوسلم وهو في صلاة الظهر بعد ركعتين منها فتحول في الصلاة ، وذكر أبو الفرج أن عباد بن نهيك كان مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في هذه الصلاة ، وقيل : إنما نزلت هذه الآية في غير صلاة وكانت أول صلاة إلى الكعبة العصر ، و (شَطْرَ) نصب على الظرف ويشبه المفعول به لوقوع الفعل عليه ومعناه نحو وتلقاء ، قال ابن أحمر : [البسيط]
تعدو بنا شطر نجد وهي عاقدة |
|
قد كارب العقد من إيفادها الحقبا |
وقال غيره : [الوافر]
أقول لأمّ زنباع أقيمي |
|
صدور العيس شطر بني تميم |
وقال لقيط : [البسيط]
وقد أظلّكم من شطر ثغركم |
|
هول له ظلم تغشاكم قطعا |
وقال غيره [خفاف بن عمير] : [الوافر]
ألا من مبلغ عمرا رسولا |
|
وما تغني الرّسالة شطر عمرو |
و (حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا) أمر للأمة ناسخ ، وقال داود بن أبي هند : إن في حرف ابن مسعود : فول وجهك تلقاء المسجد الحرام ، وقال محمد بن طلحة : إن فيه : فولوا وجوهكم قبله ، وقرأ ابن أبي عبلة : «فولوا وجوهكم تلقاءه» ، و (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) : اليهود والنصارى ، وقال السدي : المراد اليهود.
قال القاضي أبو محمد : والأول أظهر ، والمعنى أن اليهود والنصارى يعلمون أن الكعبة هي قبلة إبراهيم إمام الأمم ، وأن استقبالها هو الحق الواجب على الجميع اتباعا لمحمد صلىاللهعليهوسلم الذي يجدونه في كتبهم ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي «عما تعملون» بتاء على المخاطبة ، فإما على إرادة أهل الكتاب أو أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وعلى الوجهين فهو إعلام بأن الله تعالى لا يهمل العباد ولا يغفل عنها ، وضمنه الوعيد ، وقرأ الباقون بالياء من تحت.
وقوله تعالى : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ) الآية ، أعلم الله تعالى نبيه حين قالت له اليهود : راجع بيت المقدس ونؤمن بك مخادعة منهم أنهم لا يتبعون له قبلة ، يعني جملتهم لأن البعض قد اتبع كعبد الله بن سلام وغيره وأنهم لا يدينون بدينه ، أي فلا تصغ إليهم ، والآية هنا : العلامة ، وجاء جواب (لَئِنْ) كجواب «لو» وهي ضدها في أن «لو» تطلب المضي والوقوع و «إن» تطلب الاستقبال لأنهما جميعا يترتب قبلهما معنى القسم ، فالجواب إنما هو للقسم ، لا أن أحد الحرفين يقع موقع الآخر ، هذا قول سيبويه.