بمعنى بل وألف الاستفهام معا ، و «شهداء» جمع شاهد أي حاضر ، ومعنى الآية حضر يعقوب مقدمات الموت ، وإلا فلو حضر الموت لما أمكن أن يقول شيئا ، وقدم يعقوب على جهة تقديم الأهم ، والعامل في (إِذْ) : (شُهَداءَ) ، و (إِذْ قالَ) بدل من (إِذْ) الأولى ، وعبر عن المعبود بما تجربة لهم ، ولم يقل من لئلا يطرق لهم الاهتداء ، وإنما أراد أن يختبرهم ، وأيضا فالمعبودات المتعارفة من دون الله تعالى جمادات كالأوثان والنار والشمس والحجارة فاستفهمهم عما يعبدون من هذه ، و (مِنْ بَعْدِي) أي من بعد موتي ، وحكي أن يعقوب عليهالسلام حين خير كما يخير الأنبياء اختار الموت ، وقال أمهلوني حتى أوصي بنيّ وأهلي ، فجمعهم وقال لهم هذا فاهتدوا وقالوا : (نَعْبُدُ إِلهَكَ) الآية ، فأروه ثبوتهم على الدين ومعرفتهم بالله تعالى ، ودخل إسماعيل في الآباء لأنه عمّ.
وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم في العباس : «ردوا علي أبي ، إني أخاف أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود».
وقال عنه في موطن آخر : «هذا بقية آبائي» ، ومنه قوله عليهالسلام : «أنا ابن الذبيحين» على القول الشهير في أن إسحاق هو الذبيح.
وقرأ الحسن وابن يعمر والجحدري وأبو رجاء «وإله أبيك» ، واختلف بعد فقيل هو اسم مفرد أرادوا به إبراهيم وحده ، وقال بعضهم : هو جمع سلامة ، وحكى سيبويه أب وأبون وأبين. قال الشاعر : [زياد بن واصل السلمي] : [المتقارب] :
فلمّا تبيّنّ أصواتنا |
|
بكين وفدّيننا بالأبينا |
وقال ابن زيد : يقال قدم إسماعيل لأنه أسن من إسحاق ، و (إِلهاً) بدل من (إِلهَكَ) ، وكرره لفائدة الصفة بالوحدانية ، وقيل (إِلهاً) حال ، وهذا قول حسن ، لأن الغرض إثبات حال الوحدانية ، (نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ابتداء وخبر ، أي كذلك كنا نحن ونكون ، ويحتمل أن يكون في موضع الحال والعامل (نَعْبُدُ) ، والتأويل الأول أمدح.
وقوله تعالى : (قَدْ خَلَتْ) في موضع رفع نعت لأمة ، ومعناه ماتت وصارت إلى الخلاء من الأرض ، ويعني بالأمة الأنبياء المذكورون ، والمخاطب في هذه الآية اليهود والنصارى ، أي أنتم أيها الناحلوهم اليهودية والنصرانية ، ذلك لا ينفعكم ، لأن كل نفس (لَها ما كَسَبَتْ) من خير وشر ، فخيرهم لا ينفعكم إن كسبتم شرا ، وفي هذه الآية رد على الجبرية القائلين لا اكتساب للعبد ، (وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) فتنحلوهم دينا.
وقولهم : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) نظير قولهم (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١١١] ، ونصب (مِلَّةَ) بإضمار فعل ، أي بل نتبع ملة ، وقيل نصبت على الإغراء ، وقرأ الأعرج وابن أبي عبلة «بل ملة» بالرفع والتقدير بل الهدى ملة ، و (حَنِيفاً) حال ، وقيل نصب بإضمار فعل ، لأن الحال تعلق من المضاف إليه ، والحنف الميل ، ومنه الأحنف لمن مالت إحدى قدميه إلى الأخرى ، والحنيف في الدين الذي مال عن الأديان المكروهة إلى الحق ، وقال قوم : الحنف الاستقامة ، وسمي المعوج القدمين أحنف تفاؤلا كما قيل سليم ومفازة ، ويجيء الحنيف في الدين المستقيم على جميع طاعات الله عزوجل ، وقد