قال القاضي أبو محمد : وهذا خطأ ممن رواه أو ظنه لأن أباه مات وهو في بطن أمه ، وقيل وهو ابن شهر ، وقيل ابن شهرين ، وماتت أمه بعد ذلك بخمس سنين منصرفة به من المدينة من زيارة أخواله ، فهذا مما لا يتوهم أنه خفي عليه صلىاللهعليهوسلم ، وقرأ باقي السبعة «ولا تسأل» بضم التاء واللام ، وقرأ قوم «ولا تسأل» بفتح التاء وضم اللام ، ويتجه في هاتين القراءتين معنيان : أحدهما الخبر أنه لا يسأل عنهم ، أو لا يسأل هو عنهم ، والآخر أن يراد معنى الحال كأنه قال : وغير مسؤول أو غير سائل عنهم ، عطفا على قوله (بَشِيراً وَنَذِيراً) ، وقرأ أبي بن كعب «وما تسأل» ، وقرأ ابن مسعود «ولن تسأل» ، وهاتان القراءتان تؤيدان معنى القطع والاستئناف في غيرهما ، و (الْجَحِيمِ) إحدى طبقات النار.
ويقال : رضي يرضى رضى ورضا ورضوانا ، وحكي رضاء ممدودا ، وقال : (مِلَّتَهُمْ) وهما مختلفتان بمعنى لن ترضى اليهود حتى تتبع ملتهم ولن ترضى النصارى حتى تتبع ملتهم ، فجمعهم إيجازا ، لأن ذلك مفهوم ، والملة الطريقة ، وقد اختصت اللفظة بالشرائع والدين ، وطريق ممل أي قد أثر المشي فيه.
وروي أن سبب هذه الآية أن اليهود والنصارى طلبوا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم الهدنة ، ووعدوه أن يتبعوه بعد مدة خداعا منهم ، فأعلمه الله تعالى أن إعطاء الهدنة لا ينفع عندهم ، وأطلعه على سر خداعهم.
وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) أي ما أنت عليه يا محمد من هدى الله الذي يضعه في قلب من يشاء هو الهدى الحقيقي ، لا ما يدعيه هؤلاء.
ثم قال تعالى لنبيه (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) الآية ، فهذا شرط خوطب به النبي صلىاللهعليهوسلم وأمته معه داخلة فيه ، و «أهواء» جمع هوى ، ولما كانت مختلفة جمعت ، ولو حمل على إفراد الملة لقيل هواهم ، والولي الذي يتولى الإصلاح والحياطة والنصر والمعونة ، و (نَصِيرٍ) بناء مبالغة في اسم الفاعل من نصر.
وقوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) الآية ، (الَّذِينَ) رفع بالابتداء ، و (آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) صلة ، وقال قتادة : المراد ب (الَّذِينَ) في هذا الموضع من أسلم من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، و (الْكِتابَ) على هذا التأويل القرآن ، وقال ابن زيد : المراد من آمن بمحمد صلىاللهعليهوسلم من بني إسرائيل ، و (الْكِتابَ) على هذا التأويل التوراة ، و (آتَيْناهُمُ) معناه أعطيناهم ، وقال قوم : هذا مخصوص في الأربعين الذين وردوا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في السفينة ، فأثنى الله عليهم ، ويحتمل أن يراد ب (الَّذِينَ) العموم في مؤمني بني إسرائيل والمؤمنين من العرب ، ويكون (الْكِتابَ) اسم الجنس ، و (يَتْلُونَهُ) معناه يتبعونه حق اتباعه بامتثال الأمر والنهي ، وقيل (يَتْلُونَهُ) يقرؤونه حق قراءته ، وهذا أيضا يتضمن الاتباع والامتثال ، و (يَتْلُونَهُ) إذا أريد ب (الَّذِينَ) الخصوص فيمن اهتدى يصح أن يكون خبر الابتداء ويصح أن يكون (يَتْلُونَهُ) في موضع الحال والخبر (أُولئِكَ) ، وإذا أريد ب (الَّذِينَ) العموم لم يكن الخبر إلا (أُولئِكَ) ، و (يَتْلُونَهُ) حال لا يستغنى عنها وفيها الفائدة ، لأنه لو كان الخبر في (يَتْلُونَهُ) لوجب أن يكون كل مؤمن يتلو الكتاب (حَقَّ تِلاوَتِهِ) ، و (حَقَ) مصدر ، والعامل فيه فعل مضمر ، وهو بمعنى أفعل ، ولا يجوز إضافته إلى واحد