والمخلوقات ، وخصهما بالذكر وإن كانت جملة المخلوقات كذلك لأن سبب الآية اقتضى ذلك ، و «أينما» شرط ، و (تُوَلُّوا) جزم به ، والجواب في قوله (فَثَمَ) ، والمعنى فأينما تولوا نحوه وإليه ، لأن ولّى وإن كان غالب استعمالها أدبر فإنها تقتضي أنه يقبل إلى ناحية ، تقول وليت عن كذا وإلى كذا ، وقرأ الحسن «تولوا» بفتح التاء واللام ، وثمّ مبنية على الفتح ، وهي في موضع نصب على الظرف ، و (وَجْهُ اللهِ) معناه الذي وجهنا إليه ، كما تقول سافرت في وجه كذا أي في جهة كذا.
واختلف الناس في تأويل الوجه الذي جاء مضافا إلى الله تعالى في مواضع من القرآن ، فقال الحذاق : ذلك راجع إلى الوجود ، والعبارة عنه بالوجه من مجاز كلام العرب ، إذ كان الوجه أظهر الأعضاء في الشاهد وأجلها قدرا ، وقال بعض الأئمة : تلك صفة ثابتة بالسمع زائدة على ما توجبه العقول من صفات القديم تعالى ، وضعف أبو المعالي هذا القول ، ويتجه في بعض المواضع كهذه الآية أن يراد بالوجه الجهة التي فيها رضاه وعليها ثوابه ، كما تقول تصدقت لوجه الله تعالى ، ويتجه في هذه الآية خاصة أن يراد بالوجه الجهة التي وجهنا إليها في القبلة حسبما يأتي في أحد الأقوال ، وقال أبو منصور في المقنع : يحتمل أن يراد بالوجه هنا الجاه ، كما تقول فلان وجه القوم أي موضع شرفهم ، فالتقدير فثم جلال الله وعظمته.
واختلف المفسرون في سبب هذه الآية ، فقال قتادة : أباح الله لنبيه صلىاللهعليهوسلم بهذه الآية أن يصلي المسلمون حيث شاؤوا ، فاختار النبي صلىاللهعليهوسلم بيت المقدس حينئذ ، ثم نسخ ذلك كله بالتحول إلى الكعبة ، وقال مجاهد والضحاك : معناه إشارة إلى الكعبة ، أي حيث كنتم من المشرق والمغرب فأنتم قادرون على التوجه إلى الكعبة التي هي وجه الله الذي وجهكم إليه.
قال القاضي أبو محمد : وعلى هذا فهي ناسخة لبيت المقدس ، وقال ابن زيد : كانت اليهود قد استحسنت صلاة النبي صلىاللهعليهوسلم إلى بيت القدس ، وقالوا : ما اهتدى إلا بنا ، فلما حول إلى الكعبة قالت اليهود : ما ولاهم عن قبلتهم؟ فنزلت (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) الآية ، وقال ابن عمر : نزلت هذه الآية في صلاة النافلة في السفر حيث توجهت بالإنسان دابته ، وقال النخعي : الآية عامة أينما تولوا في متصرفاتكم ومساعيكم (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) ، أي موضع رضاه وثوابه وجهة رحمته التي يوصل إليها بالطاعة ، وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة : نزلت فيمن اجتهد في القبلة فأخطأ ، وورد في ذلك حديث رواه عامر بن ربيعة قال : «كنا مع النبي صلىاللهعليهوسلم في سفر في ليلة مظلمة ، فتحرى قوم القبلة وأعلموا علامات ، فلما أصبحوا رأوا أنهم قد أخطؤوها ، فعرفوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بذلك ، فنزلت هذه الآية» ، وذكر قوم هذا الحديث على أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يكن مع القوم في السفر ، وذلك خطأ ، وقال قتادة أيضا : نزلت هذه الآية في النجاشي ، وذلك أنه لما مات دعا النبي صلىاللهعليهوسلم المسلمين إلى الصلاة عليه ، فقال قوم كيف نصلي على من لم يصلّ إلى القبلة قط؟ ، فنزلت هذه الآية ، أي إن النجاشي كان يقصد وجه الله وإن لم يبلغه التوجه إلى القبلة ، وقال ابن جبير : نزلت الآية في الدعاء لما نزلت (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر : ٦٠] ، قال المسلمون : إلى أين ندعو ، فنزلت (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) ، وقال المهدوي : وقيل هذه الآية منتظمة في معنى التي قبلها ، أي لا يمنعكم تخريب مسجد من أداء العبادات ، فإن المسجد المخصوص للصلاة إن خرب (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) موجود حيث توليتم.