لمن اشتراه وهؤلاء لم يعلموا فهو على الحقيقة ، وقال مكي : الضمير في (عَلِمُوا) لعلماء أهل الكتاب ، وفي قوله (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) للمتعلمين منهم.
وقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا) : موضع «أن» رفع ، المعنى لو وقع إيمانهم ، ويعني الذين اشتروا السحر ، (وَلَوْ) تقتضي جوابا ، فقالت فرقة جوابها (لَمَثُوبَةٌ) ، لأنها مصدر يقع للمضي والاستقبال ، وجواب (لَوْ) لا يكون إلا ماضيا أو بمعناه ، وقال الأخفش : لا جواب ل (لَوْ) في هذه الآية مظهرا ولكنه مقدر ، أي لو آمنوا لأثيبوا.
وقرأ قتادة وأبو السمال وابن بريدة «لمثوبة» بسكون الثاء وفتح الواو ، وهو مصدر أيضا كمشورة ومشورة ، ومثوبة رفع بالابتداء و (خَيْرٌ) خبره والجملة خبر ان ، والمثوبة عند جمهور الناس بمعنى الثواب والأجر ، وهذا هو الصحيح ، وقال قوم : معناه لرجعة إلى الله من ثاب يثوب إذا رجع ، واللام فيها لام القسم لأن لام الابتداء مستغنى عنها ، وهذه لا غنى عنها ، وقوله تعالى : (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) يحتمل نفي العلم عنهم ، ويحتمل أن يراد : لو كانوا يعلمون علما ينفع.
وقرأ جمهور الناس «راعنا» من المراعاة بمعنى فاعلنا أي أرعنا نرعك ، وفي هذا جفاء أن يخاطب به أحد نبيه ، وقد حض الله تعالى على خفض الصوت عنده وتعزيره وتوقيره ، فقال من ذهب إلى هذا المعنى إن الله تعالى نهى المؤمنين عنه لهذه العلة ، ولا مدخل لليهود في هذه الآية على هذا التأويل ، بل هو نهي عن كل مخاطبة فيها استواء مع النبي صلىاللهعليهوسلم. وقالت طائفة : هي لغة كانت الأنصار تقولها ، فقالها رفاعة بن زيد بن التابوت للنبي صلىاللهعليهوسلم ليّا بلسانه وطعنا كما كان يقول : اسمع غير مسمع ، فنهى الله المؤمنين أن تقال هذه اللفظة.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : ووقف هذه اللغة على الأنصار تقصير ، بل هي لغة لجميع العرب فاعل من المراعاة. فكانت اليهود تصرفها إلى الرعونة ، يظهرون أنهم يريدون المراعاة ويبطنون أنهم يريدون الرعونة التي هي الجهل ، وحكى المهدوي عن قوم أن هذه الآية على هذا التأويل ناسخة لفعل قد كان مباحا ؛ وليس في هذه الآية شروط النسخ لأن الأول لم يكن شرعا متقررا. وقرأ الحسن بن أبي الحسن وابن أبي ليلى وابن محيصن وأبو حيوة «راعنا» بالتنوين ، وهذه من معنى الجهل ، وهذا محمول على أن اليهود كانت تقوله فنهى الله تعالى المؤمنين عن القول المباح سد ذريعة لئلا يتطرق منه اليهود إلى المحظور ، إذ المؤمنون إنما كانوا يقولون «راعنا» دون تنوين ، وفي مصحف ابن مسعود «راعونا» ، وهي شاذة ، ووجهها أنهم كانوا يخاطبون النبي صلىاللهعليهوسلم كما تخاطب الجماعة ، يظهرون بذلك إكباره وهم يريدون في الباطن فاعولا من الرعونة.
و (انْظُرْنا) مضمومة الألف والظاء معناها انتظرنا وأمهل علينا ، ويحتمل أن يكون المعنى تفقدنا من النظر ، وهذه لفظة مخلصة لتعظيم النبي صلىاللهعليهوسلم على المعنيين ، والظاهر عندي استدعاء نظر العين المقترن بتدبر الحال ، وهذا هو معنى (راعِنا) ، فبدلت للمؤمنين اللفظة ليزول تعلق اليهود ، وقرأ الأعمش وغيره «أنظرنا» بقطع الألف وكسر الظاء بمعنى أخرنا وأمهلنا حتى نفهم عنك ونتلقى منك.
ولما نهى الله تعالى في هذه الآية وأمر ، حض بعد على السمع الذي في ضمنه الطاعة ، واعلم أن