نخلفكم ، فنزلت هذه الآية ، ويقال إن السبب أن اليهود قالت : إن الله تعالى أقسم أن يدخلهم النار أربعين يوما عدد عبادتهم العجل ، قاله ابن عباس وقتادة ، وقالت طائفة : قالت اليهود إن في التوراة أن طول جهنم مسيرة أربعين سنة وأنهم يقطعون في كل يوم سنة حتى يكملوها وتذهب جهنم ، وقال ابن عباس أيضا ومجاهد وابن جريج : إنهم قالوا إن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وإن الله تعالى يعذبهم بكل ألف سنة يوما.
و (أَتَّخَذْتُمْ) أصله «ايتخذتم» ، وزنه افتعلتم من الأخذ ، سهلت الهمزة الثانية لامتناع جمع همزتين فجاء «ايتخذتم» فاضطربت الياء في التصريف فجاءت ألفا في ياتخذوا وواوا في «موتخذ» فبدلت بحرف جلد ثابت وهو التاء وأدغمت ، فلما دخلت في هذه الآية ألف التقرير استغني عن ألف الوصل ، ومذهب أبي علي أن (أَتَّخَذْتُمْ) من «تخذ» لا من «أخذ» وقد تقدم ذكر ذلك.
وقال أهل التفسير : العهد من الله تعالى في هذه الآية الميثاق والوعد ، وقال ابن عباس وغيره : معناه هل قلتم لا إله إلا الله وآمنتم وأطعتم فتدلون بذلك وتعلمون أنكم خارجون من النار؟ ، فعلى هذا التأويل الأول يجيء المعنى : هل عاهدكم الله على هذا الذي تدعون؟ وعلى التأويل الثاني يجيء : هل أسلفتم عند الله أعمالا توجب ما تدعون؟ ، وقوله (فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ) اعتراض أثناء الكلام.
و (بَلى) رد بعد النفي بمنزلة نعم بعد الإيجاب ، وقال الكوفيون : أصلها بل التي هل للإضراب عن الأول وزيدت عليها الياء ليحسن الوقف عليها وضمنت الياء معنى الإيجاب والإنعام بما يأتي بعدها ، وقال سيبويه : هي حرف مثل بل وغيره ، وهي في هذه الآية رد لقول بني إسرائيل (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ) فرد الله عليهم وبين الخلود في النار والجنة بحسب الكفر والإيمان ، و (مَنْ) شرط في موضع رفع بالابتداء ، و «أولئك» ابتداء ثان ، و (أَصْحابُ) خبره ، والجملة خبر الأول ، والفاء موطئة أن تكون الجملة جواب الشرط.
وقالت طائفة : السيئة الشرك كقوله تعالى (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) [النمل : ٩٠] ، والخطيئات كبائر الذنوب ، وقال قوم : «خطيئته» بالإفراد ، وقال قوم : السيئة هنا الكبائر ، وأفردها وهي بمعنى الجمع لما كانت تدل على الجنس ، كقوله تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) [إبراهيم : ٣٤] ، والخطيئة الكفر ، ولفظة الإحاطة تقوي هذا القول وهي مأخوذة من الحائط المحدق بالشيء ، وقال الربيع بن خيثم والأعمش والسدي وغيرهم : معنى الآية مات بذنوب لم يتب منها ، وقال الربيع أيضا : المعنى مات على كفره ، وقال الحسن بن أبي الحسن والسدي : المعنى كل ما توعد الله عليه بالنار فهي الخطيئة المحيطة ، والخلود في هذه الآية على الإطلاق والتأبيد في المشركين ، ومستعار بمعنى الطول والدوام في العصاة وإن علم انقطاعه ، كما يقال ملك خالد ويدعى للملك بالخلد.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) الآية. يدل هذا التقسيم على أن قوله (مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) الآية في الكفار لا في العصاة ، ويدل على ذلك أيضا قوله : (أَحاطَتْ) لأن العاصي مؤمن فلم تحط به خطيئته ، ويدل على ذلك أيضا أن الرد كان على كفار ادعوا أن النار لا تمسهم إلا أياما معدودة فهم المراد بالخلود ، والله أعلم.
قوله عزوجل :
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى