يترجى لها الرجوع والإنابة ، كما تتفجر الأنهار ويخرج الماء من الحجارة ، ثم زادت قلوبهم بعد ذلك قسوة بأن صارت في حد من لا ترجى إنابته ، فصارت أشد من الحجارة ، فلم تخل أن كانت كالحجارة طورا أو أشد طورا ، وقرأ أبو حيوة : «قساوة» ، والمعنى واحد.
وقوله تعالى : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ) الآية ، معذرة للحجارة وتفضيل لها على قلوبهم في معنى قلة القسوة ، وقال قتادة : عذر الله تعالى الحجارة ولم يعذر شقيّ بني آدم ، وقرأ قتادة : «وإن» مخففة من الثقيلة ، وكذلك في الثانية والثالثة ، وفرق بينها وبين النافية لام التأكيد ، في (لَما) ، وما في موضع نصب اسم ل (إِنَ) ، ودخلت اللام على اسم (إِنَ) لمّا حال بينهما المجرور ، ولو اتصل الاسم ب (إِنَ) لم يصح دخول اللام لثقل اجتماع تأكيدين ، وقرأ مالك بن دينار : «ينفجر» بالنون وياء من تحت قبلها وكسر الجيم ، ووحد الضمير في (مِنْهُ) حملا على لفظ «ما» ، وقرأ أبي بن كعب والضحاك «منها الأنهار» ، حملا على الحجارة ، و (الْأَنْهارُ) جمع نهر وهو ما كثر ماؤه جريا من الأخاديد ، وقرأ طلحة بن مصرف : «لمّا» بتشديد الميم في الموضعين ، وهي قراءة غير متجهة ، و (يَشَّقَّقُ) أصله يتشقق أدغمت التاء في الشين ، وهذه عبارة عن العيون التي لم تعظم حتى تكون أنهارا ، أو عن الحجارة التي تشقق وإن لم يجر ماء منسفح ، وقرأ ابن مصرف ينشقق بالنون ، وقيل في هبوط الحجارة تفيؤ ظلالها ، وقيل المراد : الجبل الذي جعله الله دكا ، وقيل : إن الله تعالى يخلق في بعض الأحجار خشية وحياة يهبطها من علو تواضعا ، ونظير هذه الحياة حياة الحجر المسلم على النبيصلىاللهعليهوسلم ، وحياة الجذع الذي أنّ لفقد النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقيل لفظة الهبوط مجاز لما كانت الحجارة يعتبر بخلقها ويخشع بعض مناظرها ، أضيف تواضع الناظر إليها ، كما قالت العرب : ناقة تاجرة أي : تبعث من يراها على شرائها ، وقال مجاهد : ما تردى حجر من رأس جبل ولا تفجر نهر من حجر ولا خرج ماء منه إلا (مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) ، نزل بذلك القرآن ، وقال مثله ابن جريج ، وحكى الطبري عن فرقة أن الخشية للحجارة مستعارة كما استعيرت الإرادة للجدار في قوله تعالى (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) [الكهف : ٧٧] ، وكما قال زيد الخيل : [الطويل]
بجمع تضل البلق في حجراته |
|
ترى الأكم فيه سجدا للحوافر |
وكما قال جرير : والجبال الخشع ، أي من رأى الحجر هابطا تخيل فيه الخشية.
قال القاضي أبو محمد رحمهالله : وهذا قول ضعيف : لأن براعة معنى الآية تختل به ، بل القوي أن الله تعالى يخلق للحجارة قدرا ما من الإدراك تقع به الخشية والحركة ، و (بِغافِلٍ) في موضع نصب خبر (مَا) ، لأنها الحجازية ، يقوي ذلك دخول الباء في الخبر ، وإن كانت الباء قد تجيء شاذة مع التميمية ، وقرأ ابن كثير «يعملون» بالياء ، والمخاطبة على هذا لمحمد صلىاللهعليهوسلم.
وقوله تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) الآية ، الخطاب للمؤمنين من أصحاب محمدصلىاللهعليهوسلم ، وذلك أن الأنصار كان لهم حرص على إسلام اليهود للحلف والجوار الذي كان بينهم ، ومعنى هذا الخطاب : التقرير على أمر فيه بعد ، إذ قد سلفت لأسلاف هؤلاء اليهود أفاعيل سوء ، وهؤلاء على ذلك السنن ، والفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه كالحزب ، وقال مجاهد والسدي : عني بالفريق هنا الأحبار