وقال ابن سابط عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن الأرض هنا يعني بها مكة لأن الأرض دحيت من تحتها ، ولأنها مقرّ من هلك قومه من الأنبياء ، وإن قبر نوح وهود وصالح بين المقام والركن».
و (خَلِيفَةً) معناه من يخلف.
قال ابن عباس : «كانت الجن قبل بني آدم في الأرض فأفسدوا وسفكوا الدماء فبعث الله إليهم قبيلا من الملائكة قتلهم وألحق فلّهم بجزائر البحار ورؤوس الجبال ، وجعل آدم وذريته خليفة».
وقال الحسن : «إنما سمى الله بني آدم خليفة لأن كل قرن منهم يخلف الذي قبله ، الجيل بعد الجيل».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : ففي هذا القول ، يحتمل أن تكون بمعنى خالفة وبمعنى مخلوفة.
وقال ابن مسعود : «إنما معناه خليفة مني في الحكم بين عبادي بالحق وبأوامري» يعني بذلك آدم عليهالسلام ومن قام مقامه بعده من ذريته.
وقرأ زيد بن علي «خليفة» بالقاف.
وقوله تعالى : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها) الآية ، وقد علمنا قطعا أن الملائكة لا تعلم الغيب ولا تسبق بالقول ، وذلك عام في جميع الملائكة ، لأن قوله : «لا يسبقونه بالقول» خرج على جهة المدح لهم.
قال القاضي أبو بكر بن الطيب : «فهذه قرينة العموم ، فلا يصح مع هذين الشرطين إلا أن يكون عندهم من إفساد الخليفة في الأرض نبأ ومقدمة».
قال ابن زيد وغيره : إن الله تعالى أعلمهم أن الخليفة سيكون من ذريته قوم يفسدون ويسفكون الدماء ، فقالوا لذلك هذه المقالة.
قال القاضي أبو محمد : فهذا إما على طريق التعجب من استخلاف الله من يعصيه ، أو من عصيان من يستخلفه الله في أرضه وينعم عليه بذلك ، وإما على طريق الاستعظام والإكبار للفصلين جميعا ، الاستخلاف ، والعصيان.
وقال أحمد بن يحيى ثعلب وغيره : إنما كانت الملائكة قد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم الدماء في الأرض فجاء قولهم (أَتَجْعَلُ فِيها) الآية ، على جهة الاستفهام المحض ، هل هذا الخليفة على طريقة من تقدم من الجن أم لا؟
وقال آخرون : كان الله تعالى قد أعلم الملائكة أنه يخلق في الأرض خلقا يفسدون ويسفكون الدماء ، فلما قال لهم بعد ذلك : (إِنِّي جاعِلٌ قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها) الآية ، على جهة الاسترشاد والاستعلام هل هذا الخليفة هو الذي كان أعلمهم به قبل أو غيره؟
والسفك صب الدم ، هذا عرفه ، وقد يقال سفك كلامه في كذا إذا سرده.