وقال قوم : بل معنى (لَكُمْ) إباحة الأشياء وتمليكها ، وهذا قول من يقول إن الأشياء قبل ورود السمع على الإباحة بينته هذه الآية ، وخالفهم في هذا التأويل القائلون بالحظر ، والقائلون بالوقف ، وأكثر القائلين بالحظر استثنوا أشياء اقتضت حالها مع وجود الإنسان الإباحة كالتنفس والحركة ويرد على القائلين بالحظر كل حظر في القرآن وعلى القائلين بالإباحة كل تحليل في القرآن وإباحة ، ويترجح الوقف إذا قدرنا نازلة لا يوجد فيها سمع ولا تتعلق به.
ومعنى الوقف أنه استنفاد جهد الناظر فيما يحزب من النوازل.
وحكى ابن فورك عن ابن الصائغ أنه قال : «لم يخل العقل قط من السمع ولا نازلة إلا وفيها سمع أولها به تعلق أولها حال تستصحب». قال : «فينبغي أن يعتمد على هذا ، ويغني عن النظر في حظر وإباحة ووقف» ، و (جَمِيعاً) نصب على الحال.
وقوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى) ، (ثُمَ) هنا هي لترتيب الأخبار لا لترتيب الأمر في نفسه ، و (اسْتَوى) : قال قوم : «معناه علا دون تكييف ولا تحديد» ، هذا اختيار الطبري ، والتقدير علا أمره وقدرته وسلطانه.
وقال ابن كيسان : «معناه قصد إلى السماء».
قال القاضي أبو محمد : أي بخلقه واختراعه.
وقيل معناه كمل صنعه فيها كما تقول استوى الأمر.
قال القاضي أبو محمد : وهذا قلق.
وحكى الطبري عن قوم : أن المعنى أقبل ، وضعفه.
وحكي عن قوم «المستوي» هو الدخان.
وهذا أيضا يأباه رصف الكلام ، وقيل المعنى استولى كما قال الشاعر الأخطل : [الرجز]
قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق |
وهذا إنما يجيء في قوله تعالى : (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [طه : ٥] والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع النقلة وحلول الحوادث ، ويبقى استواء القدرة والسلطان.
(فَسَوَّاهُنَ) قيل المعنى جعلهن سواء ، وقيل سوى سطوحها بالإملاس ، و (سَبْعَ) نصب على البدل من الضمير ، أو على المفعول ب «سوّى» ، بتقدير حذف الجار من الضمير ، كأنه قال فسوّى منهن سبع ، وقيل نصب على الحال ، وقال سواهن إما على أن السماء جمع ، وإما على أنه مفرد اسم جنس ، فهو دال على الجمع.
وقوله تعالى : (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) معناه بالموجودات وتحقق علمه بالمعدومات من آيات أخر ، وهذه الآية تقتضي أن الأرض وما فيها خلق قبل السماء ، وذلك صحيح ، ثم دحيت الأرض بعد خلق السماء ، وبهذا تتفق معاني الآيات : هذه والتي في سورة المؤمن وفي النازعات.