قال أبو علي : «اجتلبت
أي بعد حرف النداء فيما فيه الألف واللام لأن في حرف النداء تعريفا فكان يجتمع
تعريفان ، و «ها» تنبيه وإشارة إلى المقصود ، وهي بمنزلة ذا في الواحد ، و (النَّاسُ) نعت لازم لأي».
وقال مجاهد : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) حيث وقع في القرآن مكي ، و (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا) مدني.
قال القاضي أبو
محمد عبد الحق رضي الله عنه : قد تقدم في أول السورة أنها كلها مدنية ، وقد يجيء في
المدني (يا أَيُّهَا النَّاسُ) ، وأما قوله في (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا) فصحيح.
وقوله تعالى : (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) معناه وحدوه وخصوه بالعبادة ، وذكر تعالى خلقه لهم من بين
سائر صفاته إذ كانت العرب مقرة بأن الله خلقها ، فذكر ذلك حجة عليهم.
و «لعل» في هذه
الآية قال فيها كثير من المفسرين هي بمعنى إيجاب التقوى وليست من الله تعالى بمعنى
ترجّ وتوقّع.
وقال سيبويه
ورؤساء اللسان : هي على بابها ، والترجي والتوقع إنما هو في حيز البشر ، أي إذا
تأملتم حالكم مع عبادة ربكم رجوتم لأنفسكم التقوى ، و (لَعَلَّكُمْ) متعلقة بقوله : (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) ، ويتجه تعلقها بخلقكم أي لما ولد كل مولود على الفطرة فهو
إن تأمله متأمل توقّع له ورجا أن يكون متقيا. و (تَتَّقُونَ) مأخوذ من الوقاية ، وأصله «توتقيون» نقلت حركة الياء إلى
القاف وحذفت للالتقاء مع الواو الساكنة وأدغمت الواو الأولى في التاء.
وقوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ) نصب على إتباع الذي المتقدم ، ويصح أن يكون مرفوعا على
القطع. وما ذكر مكي من إضمار أعني أو مفعول ب (تَتَّقُونَ) فضعيف.
وجعل بمعنى صير في
هذه الآية لتعديها إلى مفعولين ، و (فِراشاً) معناه تفترشونها وتستقرون عليها ، وما في الأرض مما ليس
بفراش كالجبال والبحار فهو من مصالح ما يفترش منها ، لأن الجبال كالأوتاد والبحار
يركب فيها إلى سائر منافعها ، و (السَّماءَ) قيل هو اسم مفرد جمعه «سماوات» ، وقيل هو جمع واحده «سماوة»
، وكل ما ارتفع عليك في الهواء فهو سماء ، والهواء نفسه علوا يقال له «سماء» ،
ومنه الحديث : «خلق الله آدم طوله في السماء ستون ذراعا» ، واللفظة من السمو
وتصاريفه.
وقوله تعالى : (بِناءً) تشبيه بما يفهم ، كما قال تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) [الذاريات : ٤٧].
وقال بعض الصحابة
: «بناها على الأرض كالقبة».
وقوله : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ) يريد السحاب ، سمي بذلك تجوزا لما كان يلي السماء ويقاربها
وقد سموا المطر سماء للمجاورة ، ومنه قول الشاعر : [الوافر].
إذا نزل السماء
بأرض قوم
|
|
رعيناه وإن
كانوا غضابا
|
فتجوز أيضا في
رعيناه ، فبتوسط المطر جعل السماء عشبا ، وأصل (ماءً) موه يدل على ذلك قولهم في