لا تأتى مرتبتها
إلّا بعد مرتبة العلم ، فالانسان ـ عند النظام ـ يعلم الشيء ثم تريده نفسه ثم تقوم
قدرته بتنفيذه .
إذن فالعجز ليس فى
القدرة الإنسانية ، ولكن فى استطاعة القدرة التى منحها الإنسان ، فالمنحة التى
منحها الله تعالى للإنسان بذلت استطاعتها ، فاستطاعت كل الأغراض ، ثم لم تستطع
القرآن. وقد حاولت وجربت ففشلت ، لا لأن القرآن قديم ، ولا لأنه حكاية للقديم ،
فالحكاية والأصل واحد ـ عند المعتزلة ـ بل لأن المنحة محدودة والقدرة لها نهاية
ولا حيلة معها ، فهكذا أراد المانح جل وعلا. ولو زاد فى العطاء لزادت القدرة فى
الاستطاعة ولأتى على الانسان حين من الدهر وهو للقرآن مقلد ولآياته معارض.
وظنى ، أن مبدأ
الصّرفة نبع من المبدأ الثانى للمعتزلة وهو مبدأ العدل الإلهى وفحواه «أن العبد
قادر خالق لأفعاله خيرها وشرها» وبناء على ذلك ، فما لم يقدر عليه العبد فقد انصرف عنه
لسبب ، قد يبرّر التبرير المعقول وقد يشطح معه الخيال. والصّرفة عند النظام هى
انصراف أكثر منها صرفة ، ورجوع بعد شعور بالعجز أكثر منه تحويل للعجز إلى إعجاز.
وإلّا لكان النظام يعترف للإنسان بالقدرة وبعدم القدرة فى آن واحد. وهذا ما يريده
له ابن الراوندى وأترابه من الأشاعرة.
أقول ـ إن رأى
النظام هو المحصلة التلقائية لمذهب المعتزلة فى العدل الإلهي. وقد كان عقلية قوية
سابقة لزمنها ، فيها ـ كما يقول أحمد أمين ـ الركنان الأساسيان اللذان سبّبا
النهضة الحديثة فى أوربا وهما الشك والتجربة .
فهذا هو يرفض
الاستماع إلى طائفة من المفسرين للقرآن ويحذر منهم لأنهم يجيبون فى كل مسألة
ويقولون بغير رواية على غير أساس ثم يذكر من يثق فيهم من المفسرين وهو أيضا يذكر بلاغة القرآن فيما حكاه عنه تلميذه الجاحظ ،
قال
__________________