الحروف وتقسيم هذه الحروف إلى مهموسة ومقلقلة ومستعلاة وغيرها ، مما هو مشهور فى مصطلحات التجويد ، وهناك ألفاظ تكون دلالتها فى كل اللغات من أصواتها ، وقد عقد ابن جنى فصلا خاصا فى كتابة الخصائص (باب تصاقب الألفاظ لتصاقب المعانى) ، ويرى الدكتور إبراهيم سلامة ، أن المتتبع لعبد القاهر يجد أنه يعترف بهذه الناحية ، فيجعل لخفة الكلمة وثقلها على اللسان ووقعها فى الأذن وزنا فى الكلام ـ ولو أنه ذكر طفيف لا يرضى عنه فى جملته ـ ففي آخر كتابه (دلائل الاعجاز) تقع على النص الآتى (واعلم أنّا لا نأبى أن تكون مذاقة الحروف وسلامتها مما يثقل على اللسان ، داخلا فيما يوجب الفضيلة ، وأن تكون مما يؤكد الإعجاز ، وإنما ننكره ونفيّل رأى من يذهب إليه ، أن يجعله معجزا به وحده ويجعله الأصل والعمدة ، فيخرج إلى ما ذكرنا من الشّناعات (١).
وإلى مثل هذا الرأى يذهب الدكتور مندور ، إذ يرى «أن لجرس الألفاظ وقعا إيجابيا كثيرا ما يعين الكاتب أو الشاعر على استنفاد إحساسه ، وذلك على أن يسلم من التكلف والصنعة المقتسرة (٢). ويشاركهما الدكتور بدوى طبانة هذا الرأى (٣) بينما يلاحظ الدكتور أحمد أحمد بدوى أن عبد القاهر لم يبين لنا سر جمال النظم ، ولم يجعلنا نشعر بحسنه وفضيلة ذلك الجمال الذى أشار إلى وجوده فى توخى معانى النحو (٤).
وبعد ، فإذا كانت نظرية النظم قد وجدت فى كتب السابقين ، فلم تبرزها فى أبهى صورها إلا كتابات الجرجانى ـ يقول الدكتور مندور «لقد فطن عبد القاهر إلى أن اللغة ليست مجموعة من الألفاظ بل مجموعة من العلاقات"Systeme de rapports " ـ ٥ وحسب الجرجانى أنه الأشعرى الذى خدم إعجاز القرآن بما لم يستطعه أشعرى سبقه ، ولا أبو الحسن الأشعرى نفسه وكفاه بهذا فخرا.
__________________
(١) الدكتور إبراهيم سلامة ـ بلاغة أرسطو ٣٧٦. ط ٢ سنة ١٩٥٢ القاهرة ـ والنص فى الدلائل ص ٣٧٥.
(٢) الدكتور مندور ـ فى الميزان الجديد ـ ١٥٥.
(٣) الدكتور بدوى طبانة ـ البيان العربى ـ ١٢١.
(٤) الدكتور أحمد أحمد بدوى ـ عبد القاهر الجرجانى ـ ١١٧.
(٥) الدكتور مندور ـ النقد المنهجى ـ ٣٢٧.